ركن من أركان الدعوة

0
3223

بقلم / ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

منذ أيام قلائل وفي ليلة الجمعة الزهراء المباركة هوى ركن من أركان الدعوة وخبتت شعلة من شعل الإيمان المتوقدة بالدعوة إلى الله وهو العم مبارك بن علي الصلتي والد يحيى ويوسف وفهد ومحمد وعلي ومعاذ وسعيد وهؤلاء من أولاده الذين أعرفهم أسأل الله أن يصبرهم جميعًا على فراقه وأن يحفظهم جميعًا ليكونوا خير خلف لخير سلف حيث تربطني بهم معرفة قديمة جدًا تجاوزت العقدين من الزمان

وذلك منذ تعرفي على يوسف وهو أحد أبناء العم مبارك رحمه الله وكان معي بدر بن سعيد بن خلفان الوهيبي وناصر بن سالم المشرفي من سداب وهم رفقاء دراسة في مدرسة روي الثانوية ، اجتمعنا نحن الأربعة بعد مرحلة التعليم الثانوي في معهد للتعليم والتدريب وذلك قبل أن يلتحق كل واحد منا لكليات ما بعد المرحلة الثانوية وكان هذا المعهد في روي قرب المعهد المصرفي واسمه معهد الرقادي وذلك لتعلم الطباعة على الآلة الكاتبة القديمة آنذاك وتعلم علوم الحاسوب إبان انتشار هذه المعاهد لتعليم الكوادر وكان هذا المعهد معهدًا خاصًا يمنح شهادات تصدق من جهات حكومية وتقدم كشهادات خبرة في مجال الطباعة على الآلة الكاتبة وتعلم مدخل علم الحاسوب والإلمام به وببرامجه المختلفة قبل طفرة الحاسوب وتطوره المفرط وقبل انتشار الهواتف المحمولة التي ألغت كل شيء بعدها ولم تعد الحاجة لتلك الآلات القديمة الكاتبة والتي كانت الحاجة إليها داعية وماسة في ذلك العصر الذهبي وما قبله ولكن التطور مهم وضروري لتوفير الوقت والجهد ولثقل تلك الآلآت الكاتبة وفي المقابل خفة الجهاز المحمول وتطوره حتى أصبح في متناول اليد وبإمكانك الآن طباعة ما تريد من أي مكان تريد وفي أي وقت من الأوقات شئت.

وكان يوسف هذا مرحًا بطبيعته يغلب طابع الفكاهة عليه، دعانا يوسف لزيارته في غلا وتعرفنا هناك على والده الكريم واخوته وابن عمه سليمان الذي كان لا يقل شأنًا عن يوسف في الفكاهة والمرح وطلاقة اللسان ، ترددنا على يوسف كثيرًا خلال تلك الفترة في غلا وأدخلنا مزرعة لهم هناك وقد ظهرت لنا أشجار المستعفل والتي تُسمى بثمرة القشطة وقد بدت ثمارها يانعة ثم أخذنا لعين غلا الحارة، كان أخوه فهد في ذلك الوقت صغيرًا وقد عمل بعد ذلك في مشفى خولة في قسم المالية ثم انتقل للوزارة.

ومنذ أن تعرفنا على العم مبارك كان كريم الطبع طيب النفس مُحبًا للخير ، قام بخدمة الدعوة والدعاة ولم يفتر لسانه عن الذكر في جميع الأحوال حتى في مرضه، كان دأبه الرضا ولم يشتكي من الأوجاع رغم اشتدادها عليه ولا من مختلف الأسقام رغم تواليها وترادفها عليه، كان ثابت الجنان ولسان حاله الحمدلله على منّه وعطائه، وكفانا أن أفعاله شاهدة عليه ونحن أيضًا نشهد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :-“إذا رأيتُم الرجل يعتاد المساجدَ فاشهدوا له بالإيمان” وعَنْ سَهْلِ بن سعدٍ، رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ لِعَليًّ،كرم الله وجهه : فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم ، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم،

إن الوالد العم مبارك يشهد له القاصي والداني بتفانيه في سبيل الدعوة إلى الله وإخلاصه في هذا العمل المبارك والطريق السوي فقد جاد بنفسه لله وربح البيع والتجارة مع الله فقد أسلم على يده خلق كثير لا سيما قرية بأكملها من قرى بلدان إفريقيا الشاسعة ،وكان يقول إن أقنعنا زعيمهم سيقتنع الباقي وليس هذا إلا توفيق من الباري عز وجل لهذا العبد الصادق المخلص ، كما يروي لي بذلك ولده محمد وهذا غيض من فيض مما لا تعرفونه عن هذا الرجل الذي سمت به همته وهو عن ألف من الرجال في الأقوال والأفعال، فقد أكرمه ربه بالشكر والذكر وحميد الخصال
وصدق القائل :-
والناس ألف منهم كواحد
وواحد كالألف إن أمر عنى
ومهما كتبت عنه وعبرت خلال هذا المقال فلن أوفيه حقه وكان ممن يزوره ويتردد عليه من المشايخ الأجلاء والعلماء الأفاضل الأتقياء ، الشيخ أحمد بن سعود السيابي والشيخ يوسف بن ابراهيم السرحني والشيخ خالد بن سالم الخوالدي والشيخ راشد البوصافي حفظهم الله جميعًا ، يقول ابنه محمد وكأنه كان يشير رحمه الله أن يُصلي عليه ويغسله الشيخ راشد البوصافي وقد فعل فجزاه الله خير الجزاء .

كان العم الفاضل والوالد المربي مبارك يقول رحمه الله لمن يزوره ذكروني بالله وقد توقف عن الكلام قبل موته بأربعة أيام وكلما ذُكِر بأوقات الصلاه دمعت عيناه فرحم الله الوالد مبارك الذي كان نسمة من الخير ذوت وشعلة من الإيمان والتقوى خبت وقد خلّد اسمه في قلوب المحبين وترك أثرًا جميلًا يشهد له إلى يوم الدين رحم الله الوالد مبارك وجمعنا به في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا وليس هذا إلا النزر اليسير من حياة هذا الرجل المبارك وقد علمتُ شيئًا وغابت عني أشياءٌ كثيرة ، قال ربنا جل في علاه ( وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ) صدق الله العظيم ، سورة يوسف ،الآية (81)