حديثٌ جميل الأثر

0
2062

بقلم/ ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

. هنالك أفعالٌ وخصال تسمو بصاحبها فتكون له مكانةٌ سامقةٌ عند ربه في المقام الأول ثم عند سائر الخلق ، ومن علا شأنه عند ربه سُخرت له الأرواح وكُتب له القبول وإذا أحب الله عبدًا نادى في ملائكته وسُكان سماواته أني أحِبُ عبدي فلانًا فأحبوه فتُكتب له المحبة والقبول في الأرض، وحديثنا هذه المرة أحبتي القراء عن خصلة جميلة لا يتصف بها إلا من عرف حق ربه وفضله عليه ثم عرف قدر نفسه فهان كل شىء عليه ، فإن تمسك العبد بخصلة التواضع قذف في روعه أيضًا القناعة والرضا فعجبًا لهذه الخصلة كيف تتبعها الخصال فمن تواضع رضي وقنع ومن تواضع ارتقى وارتفع وعَلِم فوعى ونفع والحديث عن التواضع حديثٌ جميل الأثر طيب الثمر، والأمثلة لهذه الخصلة عظيمة كثيرة ، ولكنني أكتفي بذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبعض مواقفه فقط تأسيًا واقتداءً بهذا الرجل العظيم ، الذي إن تمسكنا بسننه غنمنا ونجونا والذي إن سرنا على نهجه وتخلقنا بخلقه ارتفعنا وارتقينا، وذلك عندما أظفره الله بفتح ودخول مكة فكيف دخلها النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان هذا الدخول فالمنتصر والفاتح يدخل المكان الذي أمكنه الله منه مرفوع الرأس وحُق له إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد دخل مكة وقد طأطأ رأسه تواضعًا منه صلى الله عليه وسلم كما تحكي ذلك كتب السير ومن كمثل النبي صلى الله عليه وسلم في التواضع والعفو ، فبعد كل هذا الأذى من قومه والجحود وما لاقاهُ هو وأهله وأصحابه من شتى ألوان العذاب ، وتجنٍ مستمرٍ باليد واللسان يتواضع بخلقه الرفيع ومنزلته الرفيعة مع قدرته على خلاف ذلك ويعفو وقد أمكنه الله من أعدائه ولم يزدد بهذا العمل إلا رفعة عند ربه وقربًا من أصحابه وأتباعه فمن أنا وأنت إن لم نتواضع ونتأسى بخير متواضع ولنا فيه أسوة حسنة، فهذا عُدي بن حاتم الطائي حينما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في مجلس بين أصحابه فقام له النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه مجلسًا قريبًا منه مع أنه كان مشركًا ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب أصحابه ويقضي حوائجهم ويوزع نظراته بين أصحابه نظرات عادلة ويوزع ابتسامته توزيعًا عادلاً ويخفض الجناح للجميع ويتواضع للجميع فبهره خلق النبي وتواضعه وقال في نفسه هذه ليست أخلاق وتواضع ملك ثم أخذ النبي عدي بن حاتم من يده وتوجه به الى بيته وهما في الطريق اذا اعترضت طريقهما امرأة فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد أمهلني حتى أكلمك فحاول الناس أن يبعدوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلمهم بجنونها فأبى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يسمعها حتى جلست تحدثه ساعة والرسول صلى الله عليه وسلم ينصت لها حتى قضى لها حاجتها ويدور في ذهن عدي بن حاتم نفس السؤال هل هذه أخلاق ملك كلا بل هي أخلاق نبي ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم وانطلق به إلى بيته وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم وسادة دفعها إلى عدي بن حاتم ليجلس عليها وجلس النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض في بيته الشريف مفترشًا التراب فقال عدي بن حاتم ما هذه الأخلاق والله إن هذه الأخلاق ليست بأخلاق الملوك وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هذا القبس إلا النزر اليسير من الأنوار المحمدية والسيرة المرضية لخير البرية وسيد البشرية وكم من القصص والأخبار والأحداث والآثار ومن أراد التوسع فعليه الإطلاع على سيرته صلى الله عليه وسلم الخالدة، وتواضعه الجم ، اللهم ارزقنا خلقه وتواضعه و احشرنا في زمرته وتحت لوائه واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا ، آمين يارب العالمين ، إذًا فالتواضع خيرُ ثوبٍ يرتدى وصاحبه لا بد به أن يفاخر
وصدق الإمام نور الدين السالمي رحمه الله حيث قال :-
والعبدُ لا يستكملُ الايمانا
إذا رأى لنفسهِ أثمانا
من لم ينل حظا من التواضعِ
يُرمى به في أسفلِ المواضعِ

وصدق القائل أيضًا :-
تواضعْ تكنْ كالنجمِ لاحَ لناظرٍ

على صفحات الماء وهو رفيعُ

ولا تكُ كالدخّان يرفع نفسه

إلى طبقات الجوّ وهو وضيعُ