أصدقاؤنا ” مدمنو المخدرات ” .. كفى

0
1370

بقلم / فارس بن جمعة الوهيبي⁦

توسدتُ مخدتي في ليلةٍ ماطرة، وعيناي تنحو النافذة التي لم تغلقْ بعد، وصفير الهواء مع بصيصِ الضوءِ في الظلامِ الدامس حال بيني والنوم.
الساعةُ تشيرُ إلى الثانية عشر والنصف ليلاً، يهاتفني أخ صديقي الأصغر، ونبرات صوتهِ متحشرجة، وبكلِ تثاقلِ نحيب البكاء، وهو يقول لي: جليسك إلى الرفيقِ الأعلى.
هُنا اهتزَ كياني، طارق الذي اتصل بي عصراً، يريدُ مقابلتي، بعد خروجهِ من السجنِ الذي دخلهُ مدمناً للمخدرات، ووعدتهُ أن نلتقيَ مساءً لولا المطرُ الشديد الذي حالَ بين اللقاء، توفي بجرعةِ مخدر، بعد انتكاسةٍ أودت بحياتهِ سريعاً في عمرِ الزهور.
كم هي ليلةٌ مؤلمةٌ، استرجعتُ معها كل التفاصيلِ الجميلةِ من تسامرٍ حتى منتصفِ الليلِ في الإجازةِ الأسبوعية، أتحدثُ فيها عن الدراسةِ الأكاديميةِ، وهو يحدثُني عن عملهِ في الشركة، واضطهادُ الوافدين لهُ ومعاملتهم السيئة، ويجرنا الحديث إلى المستقبل، وكيف سنبني أحلامنا واقعاً، انتهت أحلامُ طارق، اغتالته إبرة المخدر.
كم من أحلامٍ لمدمنينَ آخرين قد انتهتْ بين قضبانِ السجون، ليتجرعوا مرارةَ الألمِ، فخرجوا بخفي حنين، فالعديد منهم رجعَ إلى عادتهِ القديمة، فحليمة تعاودُ الكرّة، حيث لم يتأهلْ من مرضِ الإدمان بالشكلِ الصحيحِ، ورجعَ إلى المجتمعِ مذموماً مدحوراً، بل أصبحَ يعرفُ قائمةً طويلةً من المدمنين والتجارِ من محيطاتٍ كثيرة ليست من محيطه، وينتكس الكثيرونَ إلا من رحم ربي.
يحدثني أحد المتعافين، أن غياهبَ السجنِ أدمعت عينهُ دماً، قرأ في أعينِ المدمنين قصصاً يندى لها الجبين، ورأى واقعاً لتحرشاتٍ جنسيةٍ، بل تخطى ذلك إلى وصولِ المخدرِ للسجن، وما زلتُ بين مصدقٍ ومكذبٍ لهكذا قصة.
يتفطرُ قلبي حزناً على أسرِ المدمنين، وأشفقُ على المدمنين، وأنا مدركٌ تماماً أن هؤلاء يملكون الحس العاطفي ونقاوة القلب، ولكن الظروف آلتٍ بهم أن يقعوا في فخِ تعاطي المخدر، لأسبابٍ تعودُ إلى رفاقِ السوءِ في الغالب، وفي أحايينَ لأسبابٍ نفسيةٍ وغير ذلك، فأنا الإنسان لم أخفي دمعتي، عند سماعي لأمٍ آلمها حال ابنتها الندية التي أدمنت المخدرات، وهي الآن في طريقها للتعافي، وكم من أنثى انجرت إلى ذات الطريقِ المظلمِ،ولكن بصيصُ الأملِ مفتوح، وكفوفُ العودةِ رفعت إلى السماءِ، فعودةٌ طيبةٌ، والجميع ينتظركم في منتصفِ الطريق، فنهايةُ المسارِ سجنٌ أو موت، فلا ثالثَ لهما.
رحلتْ جمعيةُ الحياةِ، الحضنُ الدافئُ للكثيرِ من المدمنين، الذين تعافوا من الإدمان، فهل نرى ولادةَ فجرٍ جديدٍ لجمعيةٍ تفتحُ كفوفَها لمدمني المخدرات، تعملُ مع السلطاتِ الأخرى لمكافحةِ هذه الآفة التي قضت على ورودٍ بشريةٍ، فحسبي لا أقول إلا هلموا يا أصدقائي ” مدمنو المخدرات ” إلى ملاذِكم الوطن، فعمانَ وأسركم وأصدقائكم يقولون لكم كفى!