روي أكبر من مدينة وأكثر من حياة

0
6553

بقلم / محمد بن علي الوهيبي

روي أكبر من مدينة وأكثر من حياة.
محمد بن علي الوهيبي

يبقى للمكان حياة نغرق في عذوبة تفاصيلها، ويظل المكان شاهداً سرمديا على جمال الأرواح
وأبداً لا نمل من البحث عن ضجيج الحياة في نقوش أبواب البيوت وأضواء الدكاكين القديمة،
وعن الشخوص الذين صنعوا تلك التفاصيل
الجميلة بصورها وأحداثها التي تستعاد دائماً، حتى لو قطعنا ملايين من الأميال في عوالم النسيان، وتشكل روي بتنوع وثراء مكوناتها مخزونا هامًا في الذاكرة الوطنية العمانية باعتبار أن أرضها احتضنت أول مطار مدني يقام في السلطنة
والذي كان موقعه في سيح الحرمل.
وعلى أرض وادي روي كما كان يسمى قديماً أو الوادي الكبير (المسمى الحالي) أقيم المهرجان الوطني الأول للأعياد الوطنية في عمان، ومن مسجد طوي السيد بروي نقلت أول شعائر لصلاة الجمعة عبر أثير الإذاعة العمانية ، كما تشرفت أرضها بأول سلسلة جوامع السلطان قابوس ومنه بدأ النقل التلفزيوني لشعائر صلاة الجمعة .

مرت سنوات كثيرة على ذلك الإحساس الغامر بالفرح وبعفوية المشاعر وصفاء البال تبدلت فيها أحوال الناس والمكان
وتغيرت لغة الكلام
وأنا أجول في طرقات روي أستعيد معالماً وأناسا لكنني لم أرى محمد بن حمد الوهيبي (ابوناصر) بجسده الناحل داخل دكانه الواقع عند اطراف طوي الفتح و المتخصص في بعض أصناف المواد الغذائية
ولم اسمع صوت علي بن حميد الوهيبي ( ابوهلال ) وهو يعدد أنواع الخضار والفواكه التي جلبها إلى دكانه الواقع في مدخل الحارة القديمة لمدينة روي وعند أول إنعطافه إلى اليمين في الحارة القديمة أمضي في طريقي لأشتم من الروائح البهية لخبز تنور زنجيه (جنكي) العجمي أبويونس، ثم مضيت لدكان ود سويد لآخذ من بدائع تنوره شيئاً من الهريس الشهي وليس بعيدًا عنه دكان جمعه الغداني الذي كان يبيع المواد الغذائية ، وبعد ذلك لمحت دكان خلفان بن ناصر الوهيبي الذي كان يتاجر فيه بالفواكه والخضار المتنوعة، وبعد مروري بذلك الدكان العامر، مضيت في طريقي متتبعا خطاهم التي نسوا أن يمسحوها قبل رحيلهم، فسرت في سكك وأزقة الحارة القديمة التي قاومت بعض ألوان بيوتها ضراوة الزمن بتقلباته بين أمطار وزوابع وعواصف الشتاء وحرارة قيظ الصيف الذي لا تطفيه وتقلل من حدته إلا مياه الطويان القريبة، وفي الممرات العتيقة تلك وجدت دكان خلفان بن عبدالله الوهيبي وسط الحارة القديمة في روي وكان يبيع فيه الأقمشة والملابس الجاهزة.
ثم توجهت إلى منطقة طوي العلوية وقبلها التفت إلى مكان دكان الشايب مر الوهيبي (السوبرماركت المتنوع بشكله القديم) وتخيلته يقيد على دفتره حسابات المتبضعي ثم مررت بدكان خلفان بن سعيد الجرداني للمواد الغذائية المتنوعة، و الذي كان يديره ابنه حمود في أغلب الأوقات، وعدت بخطاي إلى دكان حسن بن صالح بن رزيق الوهيبي المتخصص في الأواني المنزلية، وقريب من دكان حسن بن صالح كان دكان محمد بن علي الوهيبي وأخيه خالد بن علي وكانا يديران محل البقالة المتنوع ، وليس ببعيد عنهما محلات الأخوين أحمد بن ناصر وعلي بن ناصر الوهيبي وأبصرت (جواني العيش والسكر والطحين، وكراتين الحليب أبوقوس،والشاي) تملأ دكاكينهم، وفي حارة القرين كان دكان محمد بن علي الوهيبي (راعي القرين) للمواد الغذائية، وبجواره محل سليمان بن سالم الوهيبي(ابو داود) الذي تخصص في تجارة اسطوانات الغاز، ثم اتجهت إلى منطقة طوي العلاية لأجد محلا متنوعاً للمواد الغذائية وغيرها من المستلزمات، وكان يديره عبدالله بن سالم الوهيبي،وأولاده وكان قبلة للجميع، وبجوار مطعم عمر الخيام حالياً كان يوجد أكبر الشركات المتخصصة في الأدوات الكهربائية كالثلاجات والطباخات والمكيفات والمراوح في ذلك الوقت، وكان يديره حمد بن سيف الوهيبي وأولاده، بعد ذلك توجهت إلى منطقة طوي السيد (طوي السركال ) لأجد عبدالله بن صومار الزدجالي في محله المتخصص في الأكياس البلاستيكية، و الأطباق الورقية المخصصة لحفظ الأطعمة الجاهزة للأكل ، وكان بجوار دكان عبدالله صومار محل عبدالله النعيمي الذي كان يتاجر في المواد القرطاسية والأدوات المدرسية المتنوعة من دفاتر وأقلام وحقائب، وليس ببعيد عنه مخزن مرهون العام والذي تخصص في بيع الخضار والفواكه وكان معظم الإخوة العرب المقيمين في روي وما جاورها من معلمين وغيرهم يحرصون على التسوق من محله
وتركت طوي السيد وعدت لأطراف الحارة القديمة، وأمام دكان سعيد بن صالح الوهيبي لمحت التجمع اليومي لمعظم (الشياب والآباء) أمام دكانه العامر بهم وهم يتناولون فوالتهم و فناجين قهوتهم وحكاياهم المبهجة، ويذكر أن صاحب الدكان سعيد بن صالح ظل وفياً لذلك التجمع إلى أيامه الأخيرة فبالرغم من رحيل معظم رفاقه وجلساء دكانه إلى الرفيق الأعلى إلا أنه كان حريصاً على إحضار الفوالة وكأنهم ما زالوا على قيد الحياة وكان يجلس وحيدا أمام قهوته يستعيد أحاديثهم ولحظات ضحكاتهم، و وقفشاتهم، ومن المهم جداً أن أشير إلى أن روي كانت تعتبر في تلك الحقبة منصة انتاج وتصدير حيث ترفد المناطق المجاورة بالمياه العذبة والخضروات، ومن ثمار النخيل والألبان المحلية ومشتقاتها،

والمتتبع لتلك المرحلة يلاحظ أن المحلات التجارية في روي في بداية السبعينيات وما قبلها كان يديرها العمانيون أنفسهم، ولم يكن للوافدين أي دور في التجارة، فإضافة إلى أصحاب المحلات والشركات التجارية لأهل روي من بني وهيب توسعت التجارة بعد ذلك في روي مع بداية السبعينيات، وأتاها التجار من مناطق عمان المختلفة
فكان من أوائل من استوطن فيها الفاضل صالح بن علي بن راشد الغيلاني أبو راشد الذي جاء من صور العفية رجل أعمال ومقاول وصاحب مطاعم بحر العرب والمحاريق الذين فتحوا محلات تجارية مختلفة نتيجة للخبرة المتراكمة والتي اكتسبوها من معيشتهم في أفريقيا.
وكان التاجر حارث بن ناصر المحروقي (أبو زاهر) أول من فتح محلا تجاريا في روي عام 1974م، بعد انتقاله من ولاية أدم في داخلية عمان. وكان محله في البداية عبارة عن أول بقالة صغيرة شاملة، قبل أن يتخصص في بيع المنسوجات والأقمشة والملابس العمانية، وقد اشتهر دكانه باسم “دكان با حارث”، وهو الذي استمر فيه حتى عام 2004م .
وبعد استقرار “با حارث” في روي تبعه آخرون، منهم من استمر في تجارته فترة طويلة مثل سليمان بن سالم المحروقي، الذي تخصص في بيع الأدوات المنزلية، ومحمد بن حمدان وابن عمه عبد الله بن محمد اللذين تخصصا في الأسرة والمراتب والمخاد والشراشف، وهما ما زالا يمارسان تجارتهما منذ عام 1975م، وحتى الآن رغم منافسة الوافدين لهم ،أما الذين فتحوا محلات تجارية لفترات قصيرة ولم يستمروا فأذكر منهم سعيد بن حارب المحروقي، وسيف بن ماجد المحروقي، وعبد الله بن سليمان المحروقي، وسالم بن أحمد المحروقي.
وغير المحاريق كان هناك خلفان بن راشد الصبحي الذي فتح محل لبيع الطباخات والغسالات والثلاجات، وكان أيضا يتاجر في اسطوانات الغاز، كما كان سعيد بن سيف الفلاحي من أوائل من جاءوا إلى روي وفتح محلا لبيع الأغذية، وانتقل فيما بعد إلى ولاية إبرا، ولا ننسى محل محمد بن يزيد العبري للحلوى العمانية الذي كان من علامات ومشاهد مدينة روي الهامة .
ومع التوسع في التجارة في روي، تم افتتاح سوق الظفاريين للملابس الجاهزة ، وهو السوق الذي بدأ عمانيا بالكامل قبل أن يختفي منه العمانيون ويحل فيه الآسيويون.
وحتى محلات خياطة الملابس الرجالية (الدشاديش) كان يديرها العمانيون ويخيطون الدشاديش بأنفسهم مثل سالم بن عبدالله بن مسعود الريامي الذين انتقل من نزوى إلى روي في بدايات السبعينات بالإضافة إلى إمامة الصلاة في جامع طوي السيد، وحمد المحروقي وسليم الحبسي، وسيف بن زايد المحرزي، الذي رحل وورثه ابنه خلفان، الذي أضاف إلى مهنة خياطة الملابس، بيع وتفصيل الستائر وخياطتها. وربما يكون محل العبيداني لخياطة (الدشاديش) هو المحل الأشهر على الإطلاق والذي انطلق من الحمرية في روي، وله الآن فروع كثيرة في أنحاء السلطنة.
ولا بد أن أشير إلى أول سوبرماركت بمعناه الحقيقي في العاصمة مسقط كان في مدينة روي، وكان على يد ناصر الذهلي واخوته محسن وعدي، حيث تم افتتاحه في بدايات السبعينيات مقابل صيدلية الحشار ومقهى علي بابا حاليا.
كما كانت هناك شركات عمانية متخصصة في بيع مواد البناء ، لعل أشهرها شركة روي التجارية،و كان يديرها سعيد بن علي المحروقي وسالم بن محمد المحروقي، وشركة أخرى يديرها محمد بن سعيد المحروقي وعلي بن خميس المحروقي، وهما من محاريق سناو التابعة لولاية المضيبي،وكانت شركة التجارة العربية وشركة روي التجارية تستوردان الأخشاب من سنغافورة وماليزيا، ويشار إلى أن شركة روي التجارية أول شركة تمتلك حق استيراد البيبسي كولا قبل أن يتم بعد ذلك فتح مصنع التعبئة في الغبرة .
ولابد أن أذكر بأن راشد بن هلال الكيومي هو أشهر من تخصص في بيع مواد الكهرباء في روي، والذي تواصل شركته أعمالها التجارية في هذا المجال حتى الآن، ومحل مستلزمات الأطفال تخصص فيه أحمد بن ناصر المرجبي ولازال المحل في مكانه في منطقة الولجة بروي منذ بدايات عصر النهضة الحديثة بالسلطنة.
فكان لمدينة روي الفضل في انطلاق تجارة الكثير من العمانيين، وتبقى هذه المدينة شاهدة على كثير من الأحداث والذكريات والحكايات، التي يجب أن تروى.
واختم قولي بشعر إيليا أبوماضي : –
“إن حاز بعض الناس سهم في العلى فلهم ضروب لا تعد وأسهم
لا فضل لي إن رحت أعلن فضائلهم بقصائدي إن الضحى لا يكتم
لكني أخشى مقالة قائل هذا الذي يثني عليهم منهم
أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم لا قبح الدنيا وبها أنتم.