بين الإيثار والأَثَرَة

0
1529

بقلم /صالح بن خليفة القرني

قرأت سبب نزول قوله تعالى في سورة الحشر : “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام دفع لأحد صحابته من الأنصار ضيفاً ليكرمه وحين ذهب به إلى بيته لم تجد زوجته ما تطعم الضيف إلا قوت عيالها فشاغلت أولادها حتى ناموا وقدم زوجها الطعام للضيف بعد أن أطفأ السراج وتظاهر لضيفه أنه يأكل معه حتى شبع الضيف وبات هو وزوجه وعياله طاوين.

وكلنا سمع بقصة الصحابة الذين استشهدوا عطشاً في غزوة اليرموك لأن كل منهم آثر أخيه بشربة الماء ولم يشرب أحد منهم وحين عاد الساقي إلى الأول وجدهم قد ماتوا جميعاً فأي إيمان هذا الذي يجعل المرء يجود بروحه من أجل أخيه؟

هذا الإيثار هو سر قوة المجتمع الإسلامي في عصوره الذهبية وهو الذي يمكن القول بتماسكه كالجسد الواحد إذا اشتكى منه جزء تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
أتساءل وأنا أُورِدُ هذه القصص هل نحن فعلاً نربي الايثار في أولادنا؟ هل يصلح أبناؤنا لو عدنا بهم لعصر الإسلام الذهبي؟

يرفض الدكتور مصطفى بو سعد صاحب كتب ومحاضرات التربية المشهور أن تربي ابنك على الكرم والايثار قبل سن السابعة فعلى حد قوله ينبغي أن يكون الطفل أنانياً لا يفرط في ملكيته الخاصة أبداً، وأنا اتفق مع كلامه وأقصد أن بعد هذا العمر لا بد أن يربى في الطفل ذكراً كان أو أنثى قيمة الايثار من خلال قدوة يراها أمامه من أب يؤثر سواه على نفسه وأم تغرسها غرساً بسلوكها لا قولها.

أحسب إنا نربي فيهم الأَثَرَة لا الإيثار حين نربي فيهم الاعتمادية فتقوم الأم بكل الأدوار فيترك الطفل ملابسه في مكان الاستحمام فتعود أمه لجمعها ويترك صحن الغداء كما هو فتهرع الأم إلى غسله يعود إلى البيت فتتبارى بعض الأمهات في انجاز الواجبات حتى لا تحاسبه المعلمات على الإهمال، قد يقول قائل: ما علاقة الأَثَرَة بالاعتمادية؟
إن الاعتمادية التي نشأ وينشأ عليها جيل من الأولاد ذكوراً وإناثا هي ما بذرت فيهم الأَثَرَة والأنانية فينشأ الواحد منهم لا يهمه إلا نفسه ويتعاظم الأمر مع تقدمه في العمر فهل مثل هؤلاء الذين رضعوا الاعتمادية لبناً أن يكون قائداً للجيش في عمر السابعة عشر كأسامة بن زيد؟

إن التربية لا تكون مصادفة وإنما جهد مضنٍ فمن أراد أن يربي الايثار وبعد عمر السابعة طبعاً لابد من أن يضع قدوة أمام من يربيه فلو شعر الولد بغيره لبدأت قيمة الايثار تظهر فيبدأ الأب بتعميق شعور أبنائه بغيرهم فيقول لهم مثلاً: أن أمكم تتعب في العمل ما رأيكم أن نساعدها في كذا وكذا؟ وما رأيكم أن نعد لأمكم مفاجأة ونقوم بكذا وكذا؟

كما أن إشراكهم في الأعمال التطوعية وخدمة الآخرين مثلاً تعمق قيمة الايثار والذي يترتب عليها أثار كبرى فتجد شاباً صغيراً جسده كبيرةً همته وحرصه عظيم على خدمة وطنه وأبناء أمته فبه نتقدم، بينما قد تجد شاباً ضخماً جسده هزيلةً همته لا يهمه إلا مصلحته ولا هم له إلا إشباع بطنه حتى لو داس على غيره وهمه أن ينجح ولو على أكتاف غيره وبه بطبيعة الحال نتقهقر ، فهل نربي الإيثار أم الأَثَرَة؟