23 يوليو ….وصوت ابي

0
1961

ذات مساء على رمال شاطئ  ولايتي  عند بزوغ  شمس الثالث والعشرين من عام 1970 سمعت صوت يناديني من مسافة بعيدة يأتيني من خلال المنازل السعفية، المطلة على الشاطئ 

 وقتها، كنت أنظر إلى البحر الهادئ أنتظر قوارب الصيد الخشبية ذات المجدافين لعلي احظى بسمك من اصحاب القوارب بعد مساعدتهم لكي أبيعها في سوق السمك القديم والمبني من طين.

الصوت يقترب ، وإذا بصوت والدي رحمه الله ، وقفت كالعمود لا أتحرك ، أنظر إليه والخوف يعتريني ، ترتجف مفاصلي، ربما لخطأ أرتكبته، او لأمر كبير يكلفني به، نعم يا والدي ، ما الأمر؟ يقترب رويدا رويدا  وعلى ملامح وجه الفرحة والإبتسامة ، فخرجت من شفتاه كلمات لأول مرة أسمعها يوجهها إلي، ألم تسمع خطاب جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ” سنعلم ابنائنا ولو تحت ظل شجرة” إنهض وقم الآن وإذهب إلى المدرسة لقد نصبو خيام لتعليم جميع شباب الولاية.

  والدي لم يحظى بالتعليم، ولكن ، يريد ان يبعث رسالة الى نفسه مفادها ” اذا فاتني قطار التعليم، ستعوضه أنت يا ولدي ، كنا في ظلام دامس، عشنا أيام سوداء، وشقينا في أقسى الظروف ، نقطع المسافات، تذوقتنا قساوة الجهل ومرارة الحرمان، لا نريد لكم ما كان لنا.

 ربما كان لديه حاسة أخرى ، بأن العلم سيتغير كل شئ في حياتنا، لأننا المستقبل الذي أراد لنا أن يكون على سلطان جديد، سيهب نفسه من أجل هذا الوطن الغالي وشعبه العزيز ، كان معظمه غارق في ظلام المية والجهل والتخلف والحرمان من التعليم والصحة ، من ابسط نواحي الحياة السعيدة، جاء ليعيد لعمان نظارتها ومكانتها التاريخية والحضارية وتكون دولة عصرية ، حينما قال في خطابه ، ” ساجعل من عمان دولة عصرية” نعم ، لقد قلت ، يا مولاي ، فعملت، وأشرفت وتابعت، وها أنت اليوم يا سيدي أوفيت بوعدك.

نعم كل في كل خطاب من خطاباتك يا مولاي تضع الخطط والاستراتيجيات لمنجزات لأبعد السنوات ، وفي كل سنة نحصد تلك المنجزات ، في الطرق ، والصحة، والتعليم ، وفي التجارة والصناعة ، في كل عام نشهد ترجمة خطاباتك يا مولاي، حينما أردت لهذا البلد بأن يمارس الديمقراطية النظيفة الراسخة في الأذهان، خالية من كل الشوائب ، وما يحيط بها من آفة التحزبات والتكتلات، فبدأت بمجلس الإستشاري وأنتهيت بها إلى  بساط (الشورى) كمجلس تشريعي يمارس مهامه التشريعية خطوة بخطوة ، تلك هي نظرتك الثاقبة يا مولاي في ترسيخ الديمقراطية ، وقبل ذلك وضعت النظام الأساسي للدولة ليكون نظام تقف عليه دولة القانون، وتسير عليه كل المؤسسات الدولة ، لتنطلق من خلاله في وضع قوانينها وأنظمتها في ممارسة أعمالها.

وليس الأمن ببعيد عن فكرك، فعم السلام في ربوع البلاد ، وألفت القلوب ، فصفيت النفوس ورجعت الطيور المهاجرة الى أغصانها، وعم الخير والفرح. أما خطاباتك السياسية يا قائد عمان فهي تدعو الى السلام والوئام وحل المنازعات بالطرق السلمية وليس الى العنف والحروب التي لا تأتي باهلها الا بالدمار والهلاك والتشرد ، نعم خطاباتك السياسية اثبتت بانك حكيم العرب وقائد الهمك الله الحكمة .

اليوم يا سيدي السلطان ينظر اليك العالم وقد جعلت عمان لؤلؤة مضيئة يتزدان بها الجميع ويسترشد اليها كل من فقد الحكمة والرأي، لما لا وقد جنبت العالم أتون حرب كونية عالمية كانت ستبيد الملايين من البشر ، في لحظة غاب فيها العقل والحكمة والتعقل ، جعلت من عمان محطة الانظار ، الكل تتجه عينه الى مسقط تترقب نتائج حكمتك ومشورتك الا تستحق أن تكون حكيم العالم؟

  نعم يا قائدي جلالة السلطان تعمل  بصمت وهدؤ، دون ضجيج، تعطي بسخاء دون أحد أن يدري، تظل يداك بيضاء ممدودة، وعيناك ساهرتان من أجل الإنسان العماني يحسرهن الرحمن.

 نعم يا مولاي نحبك ، ونقولها للمرة المليون نعم نحبك ، ونتفاخر بك ونعزك  يا من جعلت من بلد كانت تعيش في ظلام واخرجتها الى النور ، نور العلم والحياة الكريمة ، علمتنا الحب ، والوئام ، وفتح الحوار ، علمتنا ان نبني عمان بارواحنا ، تعلمنا منك بان عمان لا تبنيها إلا سواعدها وأن لا نتحل في شؤون الغير، نعمل بصمت .

 نعم يا مولاي الصغير والكبير يتغنى بحبك ، الجميع أعلن محبة لك ، غيابك اماتنا وعودتك عادت الروح فينا ، وطلتك سقت ارواحنا ماء الحياة، صوتك مطر ، وحبك حياة ، وشوفتك يا جلالة السلطان عيد لنا .

 مولاي ليس هنا في ذكر ما أنجزته لنا ، فالإنجازات لا يتسع لها هذا المقام لذكرها، ولكن مشاعري عرجت بي الى  يوم 23 يوليو المجيد عام 1970، لنؤكد بأن ما وعدت به أوفيت به .

حفظك الله يا مولاي وسدد على الطريق خطاك وحفظك من كل مكروه، ونعاهدك يا مولاي بأن نكون من يصون تلك منجزاتك ونحافظ عليها ، ونسير على نهجك السديد ، دمت لنا ودامت عمان لنا.  

  راشد بن احمد البلوشي almeen2009@hotmail.com