4 أوراق عمل علمية تكشف تاريخ الاقتصاد العماني وأثره في تواصل الحضارات القديمة

0
1987
كتب/عيسى بن عبدالله القصابي
أقامت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ليلة أمس  بمقرها بمرتفعات المطار وبحضور ثقافي أدبي متنوع، وممثلة في لجنة التاريخ بالجمعية، الندوة التاريخية “قراءات في التاريخ الاقتصادي العماني”.. السلع التجارية نموذجا، شارك فيها مجموعة من الباحثين العمانيين في الشأن الثقافي والتاريخي.
الندوة التاريخية التي أدارها الكاتب يونس النعماني، قدم من خلالها الدكتور سليمان بن سعيد الكيومي ورقة عمل بعنوان “القرنفل وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية على العمانيين في زنجبار” وأشار الكيومي أن الكاتب صامويل أيانيقد ذكر في كتابه ” تاريخ زنجبار” بأن تاريخ زنجبار كتبته الرياح”، فإنه من المناسب القول هنا” أن جزءا آخر من تاريخ زنجبار كتبته أشجار القرنفل ” . وأشار الباحث الكيومي أن انتقال السيد سعيد إلى زنجبار واتخاذها عاصمة لأملاكه في شرق أفريقيا منذعام 1832م .
قد شكل حدثا فارقا في تاريخ زنجبار السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتحولا هاما في حياة أهلها الأصليين من الأفارقة وسكانها العرب قدامى وجدد ، وأوضح الكيومي أن لعل من أبرز التحولات التي رافقت استقرار السيد سعيد في زنجبار هو التوسع في زراعة القرنفل وتشجيع السيد سعيد على زراعته في كل من زنجبار وبمبا حتى أضحى القرنفل هو المحصول الرئيسي الذي تنتجه زنجبار، ومن هنا بدأ القرنفل يشكل نقطة تحول كبيرة في حياة العمانيين،وحدد دورهم الاقتصادي وشكل مسارهم الاجتماعي.
فنجاح المحصول وما جلبه من ثراء دفع الكثير من العمانيين إلى التحول من التجارة إلى الزراعة، ومن قادة للقوافل التجارية إلى ملاك للأراضي،وفوق كل ذلك أغرقهم في الديون ، فأصبحوا رهنا للمرابين من التجار الهنود وأسرى للمحررين من العمال الأفارقة.
هذه الورقة تتحدث عن قصة العمانيين الذين استوطنوا زنجبار مع القرنفل منذ أن أدخلوه إلى زنجبار، وأسباب انتشاره وزراعته من قبل العمانيين وتأثيره على حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.
 
القهوة والجدل الفقهي
أما الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية فقد قدمت ورقة عمل حملت عنوان “القهوة بين الجدل الفقهي والمكانة الاقتصادية”، وأوضحت أن بعض السلع التجارية تبوأت مكانة وأهمية تاريخية خاصة، وكانت علامة فارقة في الكثير من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكما حظيت شجرة اللبان بحضور تاريخي مهم جعل من عُمان جسراً للتواصل بين ‏حضارات العالم القديم قبل أكثر من 7 آلاف سنة، كذلك شجرة البُن أو كما يُطلق عليها: “الذهب الأخضر” أحدثت ثورة على جميع المستويات، وعُرفت تاريخياً بــــ “ثورة القهوة”. مشيرة إلى أن العمانيون نجحوا في أن يكونوا حلقة وصل بين مناطق انتاج البُن في اليمن ومناطق الاستيراد في العراق وبلاد الشام والدولة العثمانية، ومنها تصديره إلى أوروبا، حيث كان للعمانيين دورٌ مهمٌ في ذلك عبر أسطول البُن العُماني، والذي عُرف تاريخياً بمسمى “مراكب القهوة”. وأوردت في ورقة عملها أن القهوة قد أحدثت جدلا واسعا بين الفقهاء بين محلل ومحرم لها، منذ أن أصبحت معروفة منذ حوالي القرن الخامس عشر الميلادي في الأديرة الصوفية اليمنية، حيث أن الإشارات الأولى لشرب القهوة توثق في نهايات القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر الميلادي؛ لذلك حفزت الإنتاج الفقهي والأدبي بين التحليل والتحريم، وكان لفقهاء عُمان نصيباً من ذلك الجدل الدائر حول القهوة. وبينت الورقة الأهمية الاقتصادية لسلعة (البُن) والدور المهم والمؤثر الذي قام به العمانيون في عملية الربط بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك، ومناقشة الجدل الفقهي حول مشروب (القهوة)، من خلال أربعة محاور رئيسية: دلالة القهوة، وتاريخ ظهورها، ومكانتها الاقتصادية، والجدل الفقهي حولها. مستخدمة المنهج التاريخي في استخراج وتحليل المادة العلمية من المصادر الفقهية والأدبية، وكتابات الرحالة.
اللبان .. السعلة المقدسة
وتحدث الدكتور سالم بن عقيل مقيبل، في ورقته المعنونة بـ”اللبان ـ السلعة المقدسة ودورها الحضاري”، ومن خلال الورقة أشار مقيبل إلى أن شجرة اللبان تثبت في محافظة ظفار، من جنوب شبه الجزيرة العربية بسبب المناخ الرطب الذي تعيش فيه، موضحا أن للتربة الكلسية دور بارز في هذا المجال، ثم ذهب مقيبل ليحدد نوع اللبان من حيث الجودة وتطرق إلى “الحوجري” ، ومن ثم الحاسكي، يليه النجدي، ولبان الشزري ثم لبان السهلي. كما أوضح مقيبل أن جودة اللبان تتمثل في اللون خاصة ذلك المتميز بالأبيض المائل إلى الزرقة.
وأورد الدكتور سالم مقيبل أن اللبان المستخدم في الطقوس الدينية يعد مقدسا وذو دلالات أسطورية، حيث تعددت هذه الأساطير حول صعوبة جلبه والوصول إلى موطنه الأصلي. فقد كان قديما يصدر من ميناء سمهرم. وأورد مقيبل أن السجلات القديمة المهتمة بجمع اللبان أشارت إلى أن الفراعنة من أوائل القوم الذين يستخدمون اللبان تقربا للإلهة. وأشار الدكتور سالم مقيبل إلى تاريخ الفراعنة الطويل مع هذه الشجرة المقدسة وإبراز فوائدها ولما لها من حضور بارز في حضاراتهم المتعددة. وبين مقيبل علاقة الإغريق والرومان بهذه الشجرة، فقد كانوا يحرقون البخور كبيرة مع جثث موتاهم. وأشار مقيبل إلى استخدامات شجرة اللبان بما في ذلك تحنيط جثث الموتى مع الفراعنة، وتبخير الكنائس مع الرومان ومطهر وعلاج لأمراض الربو والسعال مع المسلمين.
الرافد التاريخي الاقتصادي
أما الدكتورة بدرية بنت محمد النبهانية فقد قدمت ورقة عمل تاريخية حملت عنوان “المحاصيل الزراعية رافد تاريخي اقتصادي، “المانجو والليمون والتمور أنموذجا”، وأشارت الدكتورة النبهانية إلى أن دراسة تاريخ الاقتصاد تعتبر منهجا علميا مرتبط بعلم التاريخ، من حيث التحليل والتفسير، ويتداخل مع التاريخ المالي والسياسي والتجاري والتاريخ الاجتماعي كذلك. كون الاقتصاد يمثل محورا وركيزة لأي تقدم وتراجع للأمم والشعوب. وقد تطورت مدارس التاريخ الاقتصادي في فترات زمنية مختلفة.
وانطلاقا من التعريفات الحديثة والمتعددة للتاريخ الاقتصادي، فقد قالت النبهانية أن هذه الورقة العلمية تهدف إلى دراسة تطور المجتمع العماني بتطور بعض من السلع الاقتصادية فيه خلال التاريخ العماني. متخذة من المانجو والليمون والتمور أنموذجا. باتباع المنهج التاريخي التحليلي، لرسم صورة للمجتمع العماني وتأثير هذه السلع خلال فترات ازدهار انتاجها في عمان. وذهبت الدكتورة بدرية لتسرد ثلاث محاور رئيسية، تناول المحور الأول تاريخ الاقتصاد، وبعض النظريات التي تتناول التاريخ الاقتصادي وأبرز المنظرين له. أما المحور الثاني فتناول التطور السياسي في عمان في فترة دولة بني نبهان وظهور المانجو في مقنيات، وانعكاسات زراعتها مع الليمون في هذه المنطقة، وانعكاساتها على العلاقات السياسية خلال هذه الفترة التاريخية. أما المحور الثالث فقد تناول التمور كسلعة اقتصادية عمانية، ودورها في الازدهار الاقتصادي وتعزيز العلاقات السياسية مع البلدان المجاورة.