لضمان الجودة … المكالمات مسجلة !!

0
2918

بقلم : عبدالله الراشدي – أبو وسام

كثيراً ما نسمع عبارةَ ” سيتم تسجيلُ المكالمةِ لضمان الجودة ” عند الاتصال ببعض الشركات أو الجهات الربحيةِ كجزءٍ من سياستِها لتحسين آليةِ تقديم خدماتِها وتسويق منتجاتِها ، أو لتقييم أداء الموظفين وتدريبِهم، إيماناً منها بأهميةِ أثر الكلمةِ في كسب ودّ العملاء ونيلِ رضاهم.

وبالطبع فإن المكالمةَ هنا تتسم بالكثيرِ من ألفاظ الودّ واللطفِ والاحترامِ مع الحفاظ على هدوءِ الأعصاب من ردود بعض المستفزين، بطريقةٍ قلما نجدها عند الاتصال ببعض الجهاتِ الخدمية غير الربحيةِ وغير المسجلةِ هاتفياً والتي قد يعتمد فيها سيرُ المكالمةِ على مزاجيةِ من يتولى الردَّ عليها.
فمن الطبيعي أن يسعى الفردُ إلى تحسين صورتِه عند التواصل مع الآخرين إذا علم أنه خاضعٌ للمراقبةِ والتقييمِ من جهةٍ خارجيةٍ مهما كانت أسبابُها.

وللأسف فإن البعضَ يمتطي صهوةَ الشعار المتداول ( أنا اللي في قلبي على لساني ) لينطلقَ على إثرها بِمَا في قلبه ولو كان سيئاً ناسياً أو متناسياً أن الكلمةَ بمجرد خروجها من فمه لم تعد ملكَه، وأنه محاسبٌ عليها إن كانت خيراً فله أجرُها وإن كانت شراً يتحمل وزرَها، وهو غير مطالبٍ بالمجاملةِ أو النفاقِ بقدر ما هو مطالبٌ بحسن اختيار الألفاظ دون تجريح للغير .

إنَّ حياتَنا الاجتماعيةَ عبارةٌ عن اتصالٍ وتواصلٍ مع الآخرين، والناجحُ فيها من يتمكن مِن انتقاءِ عباراتِه بصورةٍ تلامسُ الوجدانَ قبل الآذان، تماشياً مع النهج النبوي المتمثل في قوله تعالى ( فبما رحمةٍ من الله لِنت لهم، ولو كنت فظاً غليظَ القلبِ لانفضوا من حولِك …) صدق الله العظيم، فمن الطبيعي أن يكون في مجتمعِنا أشخاصٌ نتفادى لقاءَهم ولو بالصدفة لعدمِ ارتياحِنا لهم، وبالمقابل هناك من نستبشرُ برؤيتِهم ونستأنس بمرافقتِهم، لطيب حديثهِم.

فإن كان ذلك الموظفُ حريصاً على انتقاءِ أفضل ما لديه من عبارات الودّ والاحترام لعلْمِه بأن المكالمةَ مسجلةٌ وقد يتعرض للمساءلةِ إذا أخطأ في إبداء المعلومات المطلوبةِ أو لم يراعِ الأسلوبَ المناسبَ في حديثِه، فلنتذكرَ ولنضعَ نصبَ أعينِنا بأن هناك تسجيلاً دقيقاً لكل تفاصيل حياتِنا اليوميةِ والذي لا يقتصر على ما يصدر منا من أقوالٍ فحسب بل يرصد كلَّ حركاتِنا وأفعالِنا وحتى ما نضمره في نفوسِنا وما نخفيه في صدورِنا (يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية )، ليس فقط في العالم الواقعي بل أيضاً العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي التي باتت أشبهَ بمنصاتٍ لإطلاق الشائعات والتعرض لأعراض الآخرين وانتهاك خصوصياتهم، وتحليلِ كل شاردةٍ وواردة.

فما أحوجنا لضبطِ ألسنتِنا وجوارحِنا وتوجيهها نحو
كلِّ ما من شأنِه الحفاظُ على استقرارِ المجتمع وضمانِ سعادةِ أفرادِه وتماسكِهم، وضمانِ أن ما تم تسجيلُه سيلقى الجزاءَ المبني على الوعد الالهي المتمثلِ في قولِه تعالى ( فمنْ يعملْ مثقالَ ذرةٍ خيراً يره، ومن يعملْ مثقالَ ذرةٍ شراً يرَه).
صدق الله العظيم .