ميلاد قائد .. ميلاد وطن

0
1556

بدر بن محفوظ القاسمي

إنها المعجزة الحقيقية .. يوم رفرفت الأعلام في كل أرجاء عمان .. وتزينت بالألوان التي ستشكل عمق فلسفة الحكم الجديدة القادمة على أرض عاشت سنوات من الأمجاد على مر التاريخ .. تقاسمت الإنتصارات فيما بينها .. دولة عرفت على أنها سليلة إمبراطورية موغلة في القدم .. أرض لم يعرف أنها انحنت أو ركعت لأحد إلا لرب تعبده، أو فعل تفعله، أو مقال تكتبه .. ولا يمكن لأوطان أن تبنى إلا بقيادة حكيمة .. وإرادة شعب .. وصف يقف كبنيان مرصوص في مواصلة البناء .. لم تكن عمان بالأمس في ظلام دامس، ولكن تداول الايام يجعل من بعض تلك الأيام ظلاما حالكا إلى أن يقيض الله بأمره من يرفع سدف الظلمة وينير المكان .. ويثير مكامن الفتور .. وييستنهض همم الشعب .. وينهض بالأمة من جديد.

ثمانية وأربعون عاما منذ البيان الأول للقائد الذي نذر لنفسه .. وفرض على ذاته بأن يعمل بأسرع ما يمكن أن يجعل من عمان دولة عصرية .. فأي قائد على مر العصر قال مثل ما قال .. كان البيان قصير جداً .. لكن محتواه الفعلي لا يمكن قياسه بمراتب الاقوال .. فهو أبلغ وأنصع .. فانجلى ذلك في الوعد الذي أعقبه الإنجاز .. الإنجاز الذي تحقق عياناً ويقينا .. وكذلك بعد الخطبة لا بد من مهر .

نعم لقد رفرفت الرايات عالية خفاقة في سماء عمان .. كان مقدم القائد ميلاد لوطن .. وقد سجل يومها ملحمة كبيرة بين القائد وشعبه .. وقد تجلى ذلك في التعاون المثمر الذي رسخ في تواصل بناء دولة عصرية بكل أبعادها ومقاييسها كما رسم لها .. لقد تحولت عمان الى اسم جديد يحمل هويتها الداخلية ويرسخ قيمها النبيلة .. ويفجر طاقاتها الإبداعية أكثر مما كانت عليه .. وعادت الطيور الى أعشاشها بعد هجر وغياب.

إن إعادة شعب قطع الزجاج ضرب من المستحيل .. لكن القائد قد كسر هذا الإستثناء وجاء بما لم تستطعه الاوائل .. ففي نظره فلم تكن توجد كلمة المستحيل إلا في كتب قواميس اللغة .. ولو بيده لمسحها .. فمن يكن بإستطاعته توحيد شعب مزقته النزاعات والإنقسامات .. والأفكار المظللة .. والسياسات المموهة .. وشتات الأسفار المتباعدة في تجميع لقم العيش .. وضنك التشرد والتشرذم .. والعقائد التالفة البغيضة التي استحوذت على العقول .. والأفكار الرجعية .. وجعله تحت غطاء واحد يلفه السلام .. ومن يكن بإستطاعته تقديم نفسه قربانا لجعل غيره يعيش في أمن وسلام .. إلا القائد الذي أخرج وطنا من المستحيل .. فهو كمن يخرج الماء بضرب العصاة في صخرة المعجزة .. فلا يبنى المجد إلا بأظفار من حديد.

ماذا فعل هذا القائد .. كيف له أن يحقق إنجازا بما يشبه إنقلاب الموازين .. فلا يعقل ان تنام وتستيقض بين عشية وضحاها أن تجد أن كل شيء قد تغير .. إن الحرية هي طريق أرض الأحرار .. قائد عرف أن الإنسان يولد حرا .. وأن حريته في جعله فردا يتمتع بكافة حقوق المواطنة الصحيحة .. فالذي كان بالامس ممنوعا أصبح اليوم مباحا .. فالحرية لا حق لا يمنحه أو يمنعه أحد .. بل هو حق مكتسب وأصيل في مواثيق وعهود الامم والشعوب القديمة والمتحضرة .. والحق المكتسب يفرضه واقع الامر في حياة إنسان يستطيع أن يعيش في وطن سيعمل على بنائه .. إن إدراك القائد لهذه الغريزة الإنسانية .. ومقدار تأثيرها في الفرد أبلغ مقال ليكون الوطن عزيزا حرا ككيان حريته من حرية الأفراد الذين يعيشون تحت كنفه .. فمسلوب الحرية والهوية لن يهنأ له المقام ولو في قصر من ذهب .

لقد رسم القائد لميلاد وطن جديد في أول أيام توليه مقاليد الحكم في البلاد .. وذلك ما تمثل في هيكلة حكومة البلاد ووزراءها وموظفيها  ونظام حكمها .. وخلق الظروف المواتية للإسراع في إزالة كل ما يحول التنقل داخل البلاد .. ودعوة للعودة من كانوا خارج البلاد للمشاركة في البناء .. وإعداد الخطط الإقتصادية، والعسكرية والإجتماعية، والشروع في خلق انظمة غاية في الأهمية .. التعليم والصحة، وتهيئة مستلزمات التواصل والإعلام والتراث الثقافة والتشريعات القانونية، والوظيفية والإسكانية والبرامج الزراعية والإنمائية .. كما وثق قيم العدل والمساوة ونظام تداول السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ، وأخذ مبادئ التدرج في  إرساء دعائم الشورى والديموقراطية .. وإنشاء المواني والطرق وتسيير المواصلات والمطارات وتسهيل حركة النقل والدعم اللوجستي .. ولقد سعى بكل عنفوان وفخر للتمكين الدولي من جعل عمان دولة مدنية .. ذات سيادة معترف بها من قبل الامم المتحدة .. وأن تكون في مصاف الدول التي ترعى السلام والعدل الدوليين .. وبالعدل يدوم الحكم .

قال القائد بعد عام من توليه زمام المسيرة ” لا شك أن عملية البناء شاقة، وتتطلب الكثير من الجهد والتضحيات للتغلب على المصاعب والعقبات، وسنحمل هذا العبء بصبر ونمضي في العمل بجد وحزم ” إن مثل هذه الأقوال لا تصدر إلا عن قائد كان أثناءها يتحمل عن وطنه وشعبه الكثير .. وهو يواجه أفكار من غرر بهم في تظليل عقولهم من جراء تسلط عناصر دخيلة من الإنتهازيين والمأجورين والملحدين في المنطقة الجنوبية التي هي جزء لا يتجزأ من تراب عمان العريق، وقد قدم القائد في هذه المحنة التي كانت دماؤها تسيل ونفوس شبابها تزهق .. قدم الغالي والنفيس وبذل كل التضحيات في سبيل إعادة الامن والأمان الى ربوع هذا القطعة الغالية .. وأن ذلك قد تحقق .. وأن سوق هذه الحالة جديرة بالدراسة .. وهو من أبلغ الامثال في إصرار قائد قد قدم روحه فداء لوطنه .. فأي قائد من مثله أن تلد النساء.

تعيش عمان اليوم ازهى عصورها .. مثالا خالصا في التقدم والرقي .. يحظى بتوقير العالم كتوقير الكبير للصغير.. كما يحظى بالمقابل باحترام العالم كما يفعل لصغير للكبير.. في نظرية يمكن أن يكون لها كرسيا سياسيا يدرس في الجامعات العريقة .. وكتابا مفتوحا للعالم لمن يقرأ، أن هناك وطنا هو من يقوم بتسيير دفة العالم، ويمتلك بوصلة الإتجاهات.

لقد مضى القائد ومن خلفه عمان جندا .. ومازال يمضي رافعا راية النصر عالية مستوثقا بالله غير مبال بعبث العابثين، ولآ بأقوال وأحاديث المرجفين، ولا مستمعا لأقوال البغاة الحاقدين .. قائد لم يكن همه إلا أن يقول أنا بعد الله .. ظل الله في الأرض .. إنه القائد الدكتاتوري العادل. فنعم الدكتاتوري الذي أنعم الشعب به، رجل الإسلام والسلم والسلام .. قائد اختصر كل المسافات ليصل ببلاده وشعبه في أقصر مدة زمنية قياسية الى أعلى مراتب الرفاهية المعيشية .. إن المعجزات تتطلب الكثير لتحقيقها، ولكن عندما تكون بيد مثل هذا القائد فان المعجزة لا تعدو أن تكون مجرد شربة ماء .. قائد حدث في الزمن الصعب .