علي بولوه

0
1528

امتلأت جنبات وزوايا الغرفة من صراخ المنبه  وعلي ما زال لم يفارق في منامه حلم الأمس الجميل الذي زرعه  في وسط النجوم ، وأحس بأنه شخص آخر  ،  لقد ضاجعته في سريره دون إرادته  ، نعم هي كما سمع عنها علي من قبل ويدعوها الجميع بنت بليس ، ما يزال المنبه في عنفوان شبابه يطلق صيحاته يترقب يد علي أن تحنوا عليه وتعانقه حتى يهدأ ويصمت 

دخل هيثم وهو الاخ الأكبر لعلي وايقظه من نومه العميق ، قم لقد أذن الفجر وانت لم تزل في سباتك العميق  ، هز علي رأسه لأخيه هيثم تدل على انه سوف يترك سريره ويغادره للصلاة ، لكن هيثم لم يرحل واصر على نهوض علي خشية منه أن يعود إلى نعاسه  ، جلس علي اخيرا على سريره وإذا بهيثم يشاهد بقع رطوبة على ملابس علي وبدأ في التهكم والاستخفاف به وهو ينعته قائلا  ..

قومي علي بولوه  .. ، إنحرج علي جدا من هذا النعت فهو الآن يستقبل الرجولة ولأول مرة في حياته يحس بأنه أصبح رجل يافع ، لكن هيثم لم يعطه المساحة لتتم فرحته بالبلوغ  ، خرج هيثم من غرفة علي وهو يصرخ بأعلى صوته في أرجاء المنزل .. علي بولوه  ..علي  بولوه ، كره علي نفسه ونهض متوجه إلى الفلج ليسبح ويغتسل وهو يمشي بإستحياء وكأنه يسحب خلفه اذيال الهزيمة ، يقول محدثا نفسه .. تبا لك ياهيثم  ..

زج بنفسه داخل مجازة الرجال بالفلج واتحد مع الظلام  ، ما لبث حتى عاد هيثم ينادي عليه وهو يقول .. خلص علي بولوه ابوينا يحرصنا نسير المسجد .. رد علي غاضبا وهو يقذف بحجارة من الداخل ناحيه الصوت .. غيب الحص .. قرعة ما تقرعك  .. سير  صلي  ، ضحك هيثم بصوت مجلجل ردا على علي ورحل مبتعد وهو يردد ..

غسليه بولوه غسليه ، جلس علي على جانب الفلج بملابسه والدموع تنهال من عينيه  ، لم يكن يتوقع أن اول يوما له في تحول من صبي إلى رجل يكون بهذه الصورة البشعة أمام هيثم ، فهو يعلم بأن هيثم لن يتركه ويسكت فقد يخبر جميع أبناء الحارة عنه ، مرت الايام وأصبح علي يلقب بين أبناء حارته بعلي بولوه 

وكان دائما يتشاجر مع من حوله من الصبية ومن في عمره ، اخذ علي يهجر الحارة ويجلس أعلى الجبل يبكي كل يوم ، فقد أحس بالهزيمة ولم يستطع أن يواصل كل يوما الخلافات مع كل أبناء حارته  ، وفي صباح يوم من الأيام جاء هيثم كعادته ليوقظ علي لصلاة الفجر ، لكن فراشه  كما هو واضح لهيثم لم ينم فيه بالأمس مطلقا وما زال مكانه ، خرجت البلاد بعد عصر اليوم في البحث عن علي المفقود في ظروف غامضة لا يعرف أحدا لها سبب سوى علي نفسه  ، بحث الأهالي أياما عديدة دون جدوى ، وكأن علي ابتلعته الأرض 

 في مطرح سنة ٦٨ سافر علي مع السفينة الشراعية إلى دولة الكويت هاجرا موطنه للأبد  ، لقد تملص من أعين طاقم السفينة وحرس السلطان الذين كانوا يشرفون على كل سفينة مسافره أو قادمة  في ذلك الوقت ، زج علي بنفسه بين حمولة السفينة حتى ودعت الميناء بمطرح  ، لم تفارق علي عينيه الدموع مطلقا ، فلم يشأ يوما أن يجعل فؤاد أمه وأبيه فارغا ، لكن هيثم اخيه وأبناء الحارة لم يجعلوا له خيارا آخر سوى الرحيل ، رغم صغر سنه إلا إن عزة نفسه كانت كبيرة ، بعد مرور يوم من الرحلة في عرض البحر ، خرج علي من مخبأه وحكى قصته لنؤخذه السفينة عن سبب رحيله ،  الذي لم يجد حل اخر سوى مواصلة المشوار إلى الكويت ، بعد مضي شهر على غياب علي عن الحارة ولم يجدوه ، صلوا عليه صلاة الغائب وأقيم له العزاء ، رغم رحيل علي المأساوي الذي يراه اهل الحارة ، إلا أن الصبية ما زالوا في حديثهم يقولون ..

مسكين علي بولوه يمكن مات فشي من الجبال وكلته الذئاب  .. ، تعاقبت الأيام والسنين وعاد علي وهو في عمر ٣٨ سنه  ومعه زوجته الكويتية وأبناءه الثلاثة وقصد بلاده وحارته  ، وصل علي الحارة والتقى بأحد الرجال فسأله عن بيت ابيه دون أن يعلم الرجل من السائل ، طرق الباب وخرج له طفل في سن العاشرة  فسأله ابن من أنت  ، قال الطفل انا ابن هيثم ، فسأله عن جده وجدته فأخبره إنهما توفيا وإن اباه  بالمزرعة ، فسأل الطفل علي من اقوله بسير اناديه .. ، قوله عمي علي اخوك رجع ، فتعجب الطفل ثم قال له علي ؟!! ، تو انت متأكد انك عمي علي اخو ابوي  اللي مات ، فرد علي بإبتسامة  .. نعم انا هو .. فجرى الطفل مسرعا وهو يصرخ بأعلى صوته من الفرح ، عمي علي بولوه حي .. عمي علي بولوه حي  ، فنصدم علي من سماع ابن اخيه هيثم الذي لم يكن له وجود عندما سافر يعلم أن له عم يلقب بعلي بولوه  ، استسلم علي للأمر الواقع وعاش في الحارة يعرف بإسم علي بولوه

 

        قصة بقلم / يعقوب بن راشد بن سالم السعدي