المتنبي وعازف الليل وأميرة جبل لبنان

0
1841

في الغرف السرية للذاكرة أشياء تقاوم النسيان و تزداد مع تقادم الأيام حضوراً وتألقاً وأشياء أخرى تغرق في ظلام دامس….

ومناسبة طرح هذه المقدمة هو تذكري لما كان يقدمه تلفزيوننا العماني في بداياته أعني فترة السبعينات والثمانينات والتي شكلت بدايات ذاكرتنا في هذا العالم العجائبي المدهش ،والتي وفق فيها التلفزيون حينما كان بالأبيض والأسود في تقديم أعمال درامية أثرت كثيراً في ذائقتنا الأدبية وكانت بحق أعمالاً عابرة ً للزمن والأجيال،متخمة بجرعات عالية من الجودة والإتقان ، كما أنه كان انتقاءاً ينم عن ذوق رفيع،وثقافةً عاليةً حريصةً على إكساب المتلقي متعة المشاهدة الممزوجة بالوعي المعرفي الراقي لمجتمع ينشد الحياة في أسمى معانيها…. وأيضا ما دفعني لكتابة ما سبق هو استعادتي للجلسات التي جمعتني بالفنان اللبناني الكبير عبد المجيد مجذوب في فندق الشيراتون بروي عام (93) والتي كانت بصحبة الصديق العزيز المرحوم سعيد بن محمد الوهيبي حينها كان يستعد هذا الفنان الأصيل الذي قدم إلى السلطنة لتقديم دور الراوي للبرنامج التلفزيوني الملحمي مسيرة الخير
وكان أبو الطيب المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس الأكثر حضوراً في جلساتنا تلك… فمن منا إذا أراد استحضار شخص المتنبي وتجسيده إلا ويقفز عبد المجيد مجذوب بحضوره الآسر وصوته الرخيم الأنيق

( أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في هود ) كان عبد المجيد مجذوب الذي يميل إلى التصوف – ومن هنا جاء اسم مجذوب- يردد هذا البيت الرائع للمتنبي كثيراً وكان يروق له إلقاء قصائده عن ظهر قلب… وأدى دور المتنبي ببراعة شديدة…..

كما كانت الراحلة هند أبي اللمع أميرة جبل لبنان

( بعينيها البارقتين بآلاف النجوم) حاضرة بقوة رغم رحيلها المبكر عندما تطرقنا إلى الحديث عن أدوارهما المشتركة في كثير من الأعمال الدرامية باللغة العربية الفصحى حيث قال عنها بعد أن صمت طويلاً مستعيدا ذلك الجمال ( بأن ذكرياته معها مليئة بالفرح والألم ،وكانت تجمع بين الفرح والطفولة وكثير من الحزن وكانت تستخرج من هذا الحزن الصدق في مواقفها التمثيلية والتي كانت تتطلب هذا الشعور النابع من قلب يعرف الحزن ) وكان من حرصهم على دقة الأداء اللغوي أن المنجد كان حاضراً وبصحبة كبار أساتذة اللغة أثناء تصويرهم لتلك الأعمال والتي منها مسلسل عازف الليل بأحداثه الممتعة وموسيقاه التصويرية الرائعة المصاحبة للإيقاع الدرامي ، والتي ألفها الموسيقار الياس الرحباني…

الآن ونحن نعيش تردي الأعمال الدرامية لأسباب كثيرة لا تخفى على الكثير هل من الممكن استدعاء تلك الأعمال التلفزيونية وإعادة عرضها لعلها تكون زاداً وملهماً .؟!

محمد بن علي الوهيبي