تَعِيبُهُ .. وَالمُسِنُّ .. وشخبوط

0
1709

 خِيَمُ الحُزْنِ عَلَى قَلْبٍ تَعِيبُهُ كَمَا خِيَمٌ عَلَى القَرْيَةِ بِأَسْرِهَا , مُنْذُ شَهْرٍ فَقَطْ وَدَعَتْ تَعِيبُهُ أَحَدٌ بُنَاتُهَا الثَّلَاثُ فَوَارَتْهَا التُّرَابُ بَعْدَ مَرَضٍ بَسِيطٌ أَلَمْ بِهَا , وَهَا هِيَ اليَوْمَ تُودَعُ الأُخْرَى لِتَدْفِنَهَا بِالقُرْبِ مِنِّ اِبْنَتِهَا الأُولَى وَهِيَ تَنْتَحِبُ دَمًا عَلَى فِرَاقِهِنَّ , لَقَدْ بَلَغْنَ البَنَاتُ سِنَّ المُرَاهَقَةِ مُنْذُ أَشْهَرَ قَلِيلَةٍ فَقَطْ , وَاخَتْهُنَّ البَاقِيَةُ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ عَلَى مَشَارِفِ البُلُوغِ بَعْدَ سَنَةٍ , كَانَ قَلَّبَ تَعِيبُهُ يَنْجَلِي مِنْ الحَزَنِ عَلَى بَنَاتِهَا , فَلَمْ تُعِدْ مُتَمَاسِكَةً مُثُلٌ السَّابِقُ , لَقَدْ فَطَرْنَ قَلْبَهَا الَّذِي شَبَّ عَلَى حُبِّهِنَّ , وَهَا هِيَ الآنَ تَدْفِنُ اِبْنَتُهَا الثَّانِيَةُ بَعْدَ أَنْ حَاضَتْ حيضتها الثَّالِثَةُ , كَمَا كَانَتْ الأُولَى .

المُسِنُّ هُوَ أُسَمِّ زَوْجٍ تَعِيبُهُ وَأَبَوْ البَنَاتِ , هَادِئُ الطِّبَاعِ قَلِيلٌ مَا يَتَحَدَّثُ مَعَ الأخرين , الجَمِيعُ يَتَوَسَّمُ فِيهُ المشورى وَالرَّزَانَةُ وَالثِّقْلُ ورياحة العُقَلُ , إِلَّا صَدِيقَةِ شخبوط فَهُوَ يَعْلَمُ تَمَامًا مِنْ هُوَ المُسِنُّ , وَمَا لَا يُعَلِّمُهُ المُسِنَّ أَنَّ وَزَجَّتْهُ تَعِيبُهُ عَلَى عَلَاقَةٍ قَوِيَّةٌ بِصَدِيقِة شخبوط , وَتَتَوَاعَدُ مَعَهُ دَائِمًا بَعِيدٌ عَنْ أَنْظَارِ النَّاسِ فِي الشراج وَالوِدْيَانِ أَوْ فِي أَحَدِ الضَّوَاحِي بِمَزَارِعِ القَرْيَةِ , وَوَفَاةِ بُنَاتِهَا الاِثْنَتَيْنِ جَعْلُهَا تَنْقَطِعُ فَتْرَةً طَوِيلَةً عَنْ مُلَاقَاتِ شخبوط فِي خُلُوِّهِ لَيَقَّظُوا مُتَعَهُمْ المُعْتَادَةَ , رَغْمَ أَنَّ شخبوط كَانَ يَأْتِي دَائِمًا إِلَى بَيْتٍ المُسِنُّ لِيَتَحَدَّثَ مَعَ تَعِيبُهُ فِي وُجُودٍ زَوَّجَهَا وَيُوسِيهَا فِي فِقْدَانِ بُنَاتِهَا , لَكِنَّهَا لَا تَنْظُرُ إِلَيْهُ كَالسَّابِقِ فَقَدْ أَغْلَقَ الحُزْنُ قَلْبَهَا عَنْ كُلِّ مَتَاعِ الدُّنْيَا حَتَّى عَنْ مُعَاشَرَةِ زَوْجِهَا .

جَنَّ جُنُونُ شخبوط فِي عَدَمٍ رُؤْيَةً تَعِيبُهُ وَلِقَاءَهَا , فَهُوَ رَغْمَ الحَرَامِ الَّذِي يَقَعُ بِيَنِهِمَا إِلَّا إِنَّهُ يُحِبُّهَا كَثِيرًا وَيَتَمَنَّى أَنْ يُمَوِّتَ صَدِيقَةَ المُسِنِّ لِيَتَزَوَّجَهَا , وَقَرَّرَ شخبوط مُرَاقَبَةَ المُسِنِّ صَدِيقَةً وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ لِيَسْتَطِيعَ مُحَادَثَةً تَعِيبُهُ وَمَعْرِفَةَ سَبَبِ اِمْتِنَاعِهَا عَنْ مُلَاقَاتِهِ كَالسَّابِقِ , وَذَاتَ صَبَاحٍ خَرَجَ المُسِنُّ مِنْ بَيْتُهُ قَاصِدَا ضَاحِيَتُهِ لِيُعَمِّرَهَا وَيَسْقِيهَا , فَجَلَسَ شخبوط خَلْفَ أَحَدٍ الجَدْرَانِ بِالدُّرُوبِ يَتَرَقَّبُ المُسِنَّ , لَكِنَّ عَيِّنِي المُسِنَّ وَقَّعْتِ عَلَى رُؤْيَةِ شخبوط صَدِيقَةٌ هُوَ يَخْتَبِئُ وَيُرَاقِبُهُ مِنْ بَعِيدٍ , فَذَهَبَ إِلَيْهُ مُبَاشَرَةٌ يسيرٌ نَحْوَهُ , وَهُنَا خَرَجَ شخبوط مِنْ مَكَانِهِ وَجَعَلَ نَفْسُهُ يَمْشِي بتجاه المُسِنُّ , ودادرك بِأَنَّ المُسِنُّ شَاهَدَهُ وَهُوَ يَخْتَلِسُ النَّظَرَ إِلَيْهُ وَإِلَى بَيْتِهِ فَتَصْنَعُ الاِبْتِسَامَةَ وَصَاحِبُهِ إِلَى ضَاحِيَتِهِ .

بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ مِنْ وَفَاةِ اِبْنَت تَعِيبُهُ الثَّانِيَةُ وَفِي لَيْلِهِ حالكة لَا تَعْرِفَ لِلقَمَرِ نُورًا , تَسَلُّلُ شخبوط إِلَى بَيْتِ المُسِنُّ مقتحما الجِدَارِ لِيَخْتَبِئَ دَاخِلَ عَلَى عرِيشِ الزُّورِ فِي فَنَاءِ المَنْزِلِ , وَعِنْدَ خُرُوجٍ تَعِيبُهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا هُمْ بِهَا شخبوط وباغتها مِنْ الخَلْفِ وَغَلِّقْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهَا , وَمَا إِنَّ سُمْعَتَهُ وَهُوَ يَهْمِسُ فِي أُذْنِهَا هدئة وستغربت تَصَرُّفُهِ , لَكِنَّهُ أَوْضَحُ لَهَا مَدَى أشتياقة لَهَا وَحَنِينُهِ , فَأَبَتْ أَنْ تُعْطِيَهُ مَا جَاءَ لِأَجْلِهُ وَقَالَتْ لَهُ وَهِيَ تَبْكِي وَتَكَتُّمُ بُكَائِهَا .. حَقَّ بُنَاتُي فِي رَقَبَتِكَ , فَقَالَ لَهَا شخبوط وَمَا ذَنْبِي أَنَا فِي بَنَاتِكَ , قَالَتْ لَهُ .. أَنْتِ تُعْلَمُ مِثْلَ مَا أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ زَوْجَيْ المُسِنَّ هُوَ مِنْ يُسَحِّرُ بُنَاتُي وَلَا تَفْعَلُ شَيْئًا , فَقَالَ شخبوط .. هُنَّ بَنَاتُهُ فَمَا شَأْنِي أَنَا بِهِ وَبِهُنَّ , فَقَالَتْ إِذَا هُوَ فُرَّاقٌ بَيْنَي وَبَيْنَكَ .. وَلِتَعْلَمَ إِنَّهُنَّ لَسْنَ بُنَاتَهُ إِنَّمَا بُنَاتُكِ أَنْتِ .. المُسِنُّ لَا يُنْجِبُ أَبَدًا .. فَقَبْلَ أَنْ تَتَعَرَّفَ أَنْتَ عَلَيْهِ وَتُصَاحِبُنِي عِشْنَا عَشْرُ سَنَوَاتٍ دُونَ إِنْجَابٍ .. وَمَنْ بَدَأَتْ عَلَاقَتَنَا بِبَعْضٍ وَبَدَأَتْ فِي الحَمْلِ , أَنَصْدِمُ شخبوط مِنْ كَلَامٍ تَعِيبُهُ وَقَالَ لَهَا .. هَذَا سَاحِرٌ كَيْفَ أَنَا أَقْدَرُ عَلَيْهِ , ضِحْكَتُ تَعِيبُهُ ضِحْكَةٌ خَفِيفَةٌ خَافَتَّ أَنْ تُوقِظَ المُسِنَّ ثُمَّ دارَتُ نَحْوُهِ وَهِيَ تَقُولُ ? وَأَنْتَ اِيشْ عالم ?!!. كُلُّكُمْ سِحْرُهُ .. وَالسَّاحِرُ مَا يُقَدِّرُ لَهُ إِلَّا سَاحِرٌ مِثْلَهُ .. لِعِلْمِكَ المُسِنِّ شَاكَهُ فِيهُ أَنَّهُ يُسَحِّرُ البَنَاتُ وَيَتَزَوَّجُهُنَّ , صَعْقُ شخبوط مِنْ هَوْلٍ مَا سَمِعَ مَنْ تَعِيبُهُ , وَقَالَ فِي عَقْلِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّ بَعْضُ السِّحْرِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ .. مَا عَلَيْهِ أَنَّا بِتَصَرُّفٍ مَعَاهُ .. أَنْتِ سِيرِي الحِين وَنَامِي وَالصَّبَاحُ رَبَاحٌ .

فِي الصَّبَاحِ البَاكِرُ تَوَجَّهَ شخبوط إِلَى ضَاحِيَةِ المُسِنِّ وَاِنْتَظَرَ قُدُومُهِ , وَحِينَ أُقَبِّلُ المُسِنَّ وَرَأْيُ شخبوط ضُحُكٌ وَكَأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا جَاءَ لِأَجْلِهُ شخبوط , فَقَالَ المُسِنُّ .. موه تَبًّا تُرْضِي صَاحِبَتَكِ تَعِيبُهُ وَتُرِدْ البَنَاتِ , لَمْ يَكُنَّ فِي لَحْظَةٍ يَتَخَيَّلُ شخبوط بِأَنْ يَكُونَ المُسِنَّ يَعْلَمُ بِالعَلَاقَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ تَعِيبُهُ , فَقَالَ المُسِنُّ رَادَفَا حَدِيثَهُ لشخبوط .. أَنَا سَمَحْتُ بِعَلَاقَتِكُمْ تَسْتَمِرُّ لِأَنَّي أَعْرِفُ مَا فَيْني نَسْلٌ ? وَالنَّاسُ هُنَا مَا تَرَحَّمَ لَوْ عَرَفُوا إِنَّي مَا أَنْسَلَ .. يَقُولُوا حَتَّى الحُرْمَةُ يُمْكِنُ مَا يُقَدِّرُ لَهَا .. وَسَلَّمْتُ لَكَ أَمْرٍ تَعِيبُهُ وَأَنَا سَاكِتٌ , أَمَّا بُنَاتُهَا فَهُنَّ زَوْجَاتِي أَنَا .. أَنْتَ خذيت أُمُّهِنَّ وَخُنْتُ صَدَاقَتُي لَكِ .. وَأَنَا خذيت بَنَاتُكَ مِنْ صُلْبِكَ وَرْدِيَّتِ لَكِ الجَمِيلِ , وَأَخَذَ المُسِنُّ يَضْحَكُ وَصَوْتُهُ يَرْتَفِعُ شَيْئًا فَشَيْءٌ حَتَّى تَنَاقَلْتُهُ حَفِيفٌ زُورٌ النخل , وَهُنَا أَيْقَنَ شخبوط أَنَّهُ لَا أَمَّلَ فِي مُوَاجِهِ المُسِنِّ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَبَدًا , فَقَدْ أَصْبَحَتْ أَعْمَالُهُ مَكْشُوفَهُ .

 

فِي نَفْسِ اللَّيْلَةِ تَبَعِ شخبوط المُسِنُّ وَهُوَ يَسِيرُ مُتَّجِهٌ إِلَى السيح الأَحْمَرُ فِي لِلَيْلٍ دَامِسٍ لَا يَرَى المَرْءُ أَمَامَهُ أَبَدًا إِذَا لَمْ يَكُنْ يَحْمِلُ سِرَاجًا أَوْ قتديل , كَانَ المُسِنَّ يتوغل فِي السيح الأَحْمَرُ سَيْرًا عَلَى قَدَمَيْهِ فِي حِينِ شخبوط يَمْشِي خَلْفَهُ بمسافه لَا بَأْسَ بِهَا يَسْتَرِقُ مِنْ نُورِ سِرَاجٍ المُسِنُّ , حَتَّى وَصَلَ المُسِنُّ إِلَى الجَبَلِ الشَّرْقِيُّ مَنْ سَيَّحَ الْاحْمَر , وَهُنَاكَ دَخَلَ بَيْنَ صَخْرَتَيْنِ ثُمَّ اِخْتَفَى , وَهُنَا أَدْرَكَ شخبوط بِأَنَّ هَذَا الغَارُ مَا هُوَ إِلَّا مَلْجَأٍ لِلمُسِنِّ لأَعْمَالِهِ وَسِحْرُهِ , فَكَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ أَرْبِعَاءَ يَتَجَمَّعُ السَّحَرَةُ لَيْلًا فِي سَيَّحَ الْاحْمَر , فَقَرَّرَ شخبوط اللِّحَاقَ بِهِمْ والإنظمام مَعَهُمْ , وَعِنْدَمَا أَدْرَكَ كَبِيرُهُمْ وُجُودَ شخبوط سَأَلَهُ .. وَيْنكَ مِنْ زَمَانٍ منقصر عَنَّا , فَرْدُ شخبوط عَلَى كَبِيرِ السَّحَرَةِ وَالمُسِنِّ يَنْظُرُ نَحْوُهِ , أَنَا تَوَقَّفْتُ مِنْ زَمَانٍ عَنْ مُمَارَسَةِ السِّحْرِ , فَقَالَ المُسِنُّ ? يَعْنِي تِبْت لِلهِ , فَرْدُ شخبوط .. تُبْتُ عَنْ سِحْرِ عُيُونِ النَّاسِ وَأَخَذَ بُنَاتُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ .. أَمَّا بَاقِي الحَرَامُ مَا تُبْتُ عَنْهُ , فَقَالَ لَهُ كَبِيرُهُمْ .. وَاِيشْ جَايْ تَبًّا مِنَّا الحِين ياشخبوط .. مَا دَامَ مَا مَعَنَّا لَا تُوقِفُ ضِدَّنَّا وَلَا تَرَاكِ تَنْتَهِي مِثْلَ مَا أَنْتَهِي غَيْرَكَ مِنْ قَبْلُ , فَرْدُ شخبوط .. أَنَا جِيت أَطْلُبُ مِنْكَ تُكَلِّمُ المُسِنَّ وَقُدَّام الجَمِيعِ يَتَوَقَّفُ عَنْ سِحْرِ بُنَاتِهِ .. أُمُّهِنَّ تَعْبَانَةٌ وَحُزْنُهَا كَبِيرٌ عَلَى فِرَاقِهِنَّ , وَثَأْرٌ المُسِنُّ وَوَقَفَ مِنْ عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَقَالَ .. أَنْتَ مَالكِ أَنْتِ .. لَا يَكُونُ دَفَعَتْ مُهْرٌ زَوَاجِيٌّ وَلَا سَاهَمَتْ فِيهُ .. وَلَا لَا يَكُونُ طَعِمَتْ وَكُسِيَتْ بَنَاتِي مِنْ تَزَوَّجَتْ أُمُّهُنَّ لِحَدِّ الحِينِ حَتَّى بشطفت ثَوْبٌ مُرَقَّعٌ .. خَلِّيكَ فِي حَالِكَ ياشخبوط .. وَدَوْرٌ بِعِيْد عنَ اِللِّي مَا يَعْنِيكَ , وَهُنَا لَمْ يَسْتَطِعْ شخبوط أَنْ يَقُولَ حَقِيقَةً البَنَاتِ أَمَامَ الجَمِيعِ , فَقَدْ خَافَ أَنْ يَتَحَدَّوْا عَلَيْهِ فَيَأْكُلُونَهُ كَمَأْدَبَةِ عَشَاءٍ فَفَضْلِ الصَّمْتِ وَالاِنْسِحَابِ .

وَبَعْدَ أَنْ بَلَغَتْ البِنْتُ الثَّالِثَةُ وَبَدَأَتْ تَحِيضُ بَدَأَتْ عَلَيْهَا عَلَامَاتُ المَرَضِ الَّتِي كَانَتْ تَظْهَرُ عَلَى أَخَوَاتِهَا قَبْلَهَا , فَجَاءَتْ تَعِيبُهُ وَأَخْبَرَتْ شخبوط بِأَنْ المُسِنُّ يُرِيدَ أَنْ يَأْخُذَ أَبَنْتُهَا الثَّالِثَةُ كَمَا أَخَذَ الَّاتِي قَبْلَهَا , اِتَّفَقَ شخبوط مَعَ حَبِيبَتِهِ تَعِيبُهُ عَلَى أَنَّ تُفَرِّشُ العَرِيشُ فِي البَيْتِ كُلُّهُ وَأَنْ تَجْعَلَ فُرُشُ العَرِيشِ ثَلَاثَ طَبَقَاتِ دُونَ أَنْ يُلَاحِظَ المُسِنُّ ذَلِكَ , وَأَخْبَرَهَا أَنْ تَقُولَ لِلَمَسْنَ بِأَنْ ضُيُوفٌ سَوْفَ يَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَى العَشَاءِ وَتَتْرُكُ البَاقِيَ عَلَيْهِ , وَفَعَلْتِ تَعِيبُهُ مَا أَمَرَهَا بِهِ شخبوط وَفَرَّشَتْ العَرِيشُ بالحصران , وَاعَدَتْ العَشَاءَ وَجَعَلَتْ الدكايا عَلَى جَوَانِبِ العَرِيشِ تُحِيطُ بِكُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهُ , فَجَاءَ المُسِنُّ وَرَأْيٌ مَا رأه وَخِبْرَتُهُ بِمَا اِتَّفَقَتْ بِهِ مَعَ شخبوط , جَلَسَ المُسِنُّ يَنْتَظِرُ حظور الضُّيُوفُ لَكِنَّ لَمْ يُحَضِّرْ أَحَدَ حَتَّى سَاعَةٍ مُتَأَخِّرَةٌ مِنْ اللَّيْلِ , فَسَمِعَ المُسِنُّ طُرُقَ عَلَى البَابِ وَجَاءَ يَقِفُ مِنْ جَلْسَتِهِ مِنْ العَرِيشِ فَإِذَا تَعِيبُهُ تَقُولُ لَهُ .. أَنَا بِفَتْحِ البَابِ أَنْتَ أَسْتَرِيحُ , وَعِنْدَمَا فَتَحْتُ البَابَ رَأَتْ اِمْرَأَةٌ بِعَبَاءَتِهَا وخمارها فَهَمَسْتُ لِتَعِيبَهُ .. المُسِنُّ جَاءَ , وَهُنَا عَلِمَتْ تَعِيبُهُ أَنَّ المَرْأَةَ هِيَ شخبوط , لَكِنَّهَا لَا تَعْرِفُ بِمَا يُخَطِّطُ لَهُ , دَخَلَتْ تَعِيبُهُ وَتَبَعَتهَا المَرْأَةُ أَيٌّ شخبوط إِلَى العَرِيشِ الأُخُرُ وَهُوَ المَطْبَخُ , وَقَالَ لَهَا قَوْلَيْ لِلَمَسْنَ بِأَنْ الرِّجَالُ اِعْتَذَرُوا عنَ الحُضُورُ بِسَبَبِ وَفَاةٍ أَحَدًا عندهُمْ , ثُمَّ قُولِي لَهُ سَوْفَ أُقَدِّمُ لَكَ العَشَاءَ لِتَنَامَ وَأَنَا سَوْفَ أتعشاء مَعَ المَرْأَةِ , وَهَكَذَا سَارَتْ الأُمُورُ وَعِنْدَمَا جَهَّزَتْ تَعِيبُهُ العَشَاءُ لِلمُسِنِّ وَالمَرَقِ , أَخْرَجَ شخبوط مِنْ تَحْتِ العَبَاءَةِ غرشة وَدَلْقُهَا عَلَى العَيْشِ وَعَلَى المَرَقِ وَقَالَ لَهَا خُذِيهُ لَهُ , أَخَذَ لِالمُسِنِّ يَأْكُلُ وَتَعِيبُهُ وشخبوط يُرَاقِبَانِ الوَضْعَ مِنْ خَلْفُ حظار العَرِيشُ حَتَّى تَغَيُّرِ وَجْهٍ المُسِنُّ وَبَدَأَ فِي الاِخْتِنَاقِ فَقَفَزَ كِلَا مِنْ تَعِيبُهُ وشخبوط عَلَى جَسَّدَهُ وَثَبَّتُوا يَدَيْهُ بِقُوَّةٍ حَتَّى خَرَجَتْ رُوحُهُ مِنْ جَسَدِهِ , وَقَالَتْ تَعِيبُهُ .. اِسْمَيْكَ ذِيبَ اِيشْ سَقَيْتَهُ سَمٌّ ?! .. فَقَالَ شخبوط لَا هَذِا زِئْبَقٌ يُقْتَلُ السَّاحِرُ بِالمَرَّةِ , بِشَرْطٍ مَا يُقَدِّرُ يلحس أَوْ يَأْكُلُ التُّرَابَ .. لِأَنَّهُ التُّرَابُ يُطْفِئُ قُوَّةَ الزِّئْبَقِ , وَبَعْدَهَا قَالَ شخبوط لَ تَعِيبُهُ .. فِي الصَّبَاحِ نَادِي فِي النَّاسِ أَنَّهُ زَوَّجَكَ مَات , وَإِذَا سَأَلُوكَ كَيْفَ مَات ? .. قَوْلِي عَرَفْتَ أَنَّهُ مَيِّتُ يَوْمٍ جِيت أُورِقُهُ حَالُ صَلَاةِ الفَجْرِ , وَهُنَا قِبْلَتُ تَعِيبُهُ فَرَحًا شخبوط وَقَالَتْ لَهُ, خَلِّيهُ هُوَ هُنَا وَتَعَالَ أَنْتَ مَعَاي دَاخِلَ , وَعِنْدَمَا جَاءَ لِيَتْبَعَهَا قَالَتْ لَهُ وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَيْهُ .. بَنَاتِي تَقْدِرُ تَرْجِعُ لِي عَلَيْهُنَّ , قَالَ شخبوط .. بِدُونِ مَا تَقُولِي وَتَتَكَلَّمِي بُنَاتَكِ بِالكَثِيرِ سَاعَةٌ وَنِصْفٌ وَيَكُونَنَّ هُنَا مَعَاكَ فِي البَيْتِ .. الحَمْدُ لله أَنَّهُ مَا سَالِبُ عَقْلُهِنَّ , فَرِحَتْ تَعِيبُهُ كَثِيرًا وَقَالَتْ لَهُ .. عُبٌّ أَوَّلُ لاَبُدَّ نتعشا أَنَا وَيَاك . الحِين البَيْتُ فَاضِي عَلَى كَيْفَكَ تَسِيرُ وَتِجِي بَعْدَ العِدَّةِ , لَقَدْ كَانَ وَقْعُ كَلَامٍ تَعِيبُهُ عَلَى أَذَانِهِ لَهُ مَعْنًى أُخُرٌ , فَهُوَ العَاشِقُ مُنْذُ زَمَنٍ بِعِيْد وَقَدْ تَسَنَّى لَهُ أَخِيرَا رُؤْيَةٍ تَعِيبُهُ دُونَ قُيُودٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ أَحَدٍ, فَذَهَبْتَ تَعِيبُهُ المَطْبَخُ وَظَلَّ شخبوط يَنْظُرُ إِلَى المُسِنِّ وَهُوَ يَقُولُ .. لَا أَنْتَ وَلَا اِللِّي مَعَاكِ مَنْ السَّحَرَةُ تُقَدِّرُوا لِي بِشَيْءِ البِرِّ .

فِي المَطْبَخِ خَطَرَتْ فِكْرَةٌ لَ تَعِيبُهُ وَهِيَ تَرَى غرشه الزِّئْبَقَ وَمَا تَبَقَّى مِنْهَا , فَأَخَذْتُ العَيْشَ وَالمَرَقَ وَصَبَّتْ عَلَيْهِ الزِّئْبَقَ وَجَاءَتْ بِهِ لشخبوط وَبَدَأْتُ تَأْكُلُ هِيَ قَبْلَهُ حَتَّى يَطْمَئِنُّ وَلَا يَشُكُّ بِشَيْءٍ , فَالزِّئْبَقُ لَا يُقْتَلُ إِلَّا السَّاحِرِ وَهِيَ تَعْلَمُ ذَلِكَ , وَلَمْ يَتَوَقَّعْ شخبوط بِأَنْ تَعِيبَهُ سَوْفَ تَتَخَلَّصُ مِنْهُ كَمَا تَخَلَّصَ هُوَ مِنْ المُسِنِّ , فَقَدْ عَمَّى عَيْنَيْهُ حُبِّهِ لَهَا , ظَنٌّ إِنَّهَا تُحِبُّهُ كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ , لَكِنَّ فِرَاقُ بُنَاتِهَا وَعَيْشِهَا وَسْطَ السَّحَرَةِ أَجْبَرَهَا عَلَى دَفْنٍ كُلُّ شَيْءٍ وَالاِحْتِفَاظِ بِبِنْتِهَا المُتَبَقِّيَةِ وَبَنَاتِهَا القَادِمَاتِ مِنْ المَوْتِ إِلَى الحَيَاةِ كَمَا وَعَدَهَا شخبوط , بَدَأَ شخبوط اِلْتِهَامَ العَيْشِ مَعَ المَرَقِ لِقِمَّةٍ وَرَاءَ الأُخْرَى , وَكَانَتْ تَعِيبُهُ تَكِيلُ لَهُ بَعْضُ مِنْ اللَّحْمِ فِي لُقْمَةِ عَيْشٍ تُرْسِلُهَا بِيَدِهَا إِلَى فَآهَه , وَعِنْدَمَا بَدَأَ الزِّئْبَقُ يُسْرَى فِي جَسَدِ شخبوط وَجَاءَ لِيَقِفْ وَيَخْرُجُ لِفَنَاءِ المَنْزِلِ بَعْدَ أَنْ أُحِسَّ بِغَدْرٍ تَعِيبُهُ لِيَلْتَهِمَ التُّرَابَ , رَمَتْ تَعِيبُهُ بِجَسَدِهَا فَوْقَهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَحَرَّكَ وَيُقَاوِمُهَا , فَقَبَضَتْ بِيَدِهَا الأُخْرَى عَلَى مَحَارِمِهِ لِتَشُلْ حَرَكَتَهُ , بَدَأَ شخبوط يَخْتَنِقُ وَتَتَقَطَّعُ ومصارينه , كَمَا أَنْ وَزْنٌ تَعِيبَهُ كَانَ لَهُ الأَثَرُ فِي إِخْمَادٍ مُقَاوَمَةُ شخبوط , حَتَّى لَفَظَ نَفْسَهُ الأَخِيرُ وَعُرُوقٌ عَيْنَاهُ الجَاحِظَةُ بِالاِحْمِرَارِ تَنْظُرُ إِلَى تَعِيبُهُ , وَهَكَذَا مَات الاِثْنَيْنَ فِي نَفْسِ العَرِيشُ , دَخَلَتْ تَعِيبُهُ وَأَيْقَظَتْ اِبْنَتَهَا المَرِيضَةَ مِنْ النَّوْمِ , وَعِنْدَمَا وَقْفٌت أَبَنْتُهَا لَمْ تَكُنْ تُحِسُّ بِالمَرَضٍ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ , أَخَذَتْ تَعِيبُهُ سَحَّارُهِ قَدِيمَةٌ مِنْ الحَدِيدِ وَجَمَّعْتَ ثِيَابَهَا وَثِيَابَ بَنَاتِهَا الثَّلَاثِ , فَاِسْتَغْرَبَتْ اِبْنَتُهَا مِنْ الأَمْرِ , وَلَكِنَّ طَلَبَتُ تَعِيبُهُ مَنْ أَبَنْتِهَا أَنْ تَأَجَّلَ جَمِيعُ أَسْئِلَتِهَا حَتَّى حِينَ , ثُمَّ جَلَسْتِ فِي الفَنَاءِ مَعَ اِبْنَتِهَا وسحارتها تَنْظُرُ إِلَى البَابِ مَتَى يَفْتَحُ , وَمَا هِيَ إِلَّا دَقَائِقَ وَدَخَلَتْ البِنْتَانِ عَلَى أُمِّهِنَّ وَاخَتْهُنَّ , اِحْتَضَنَتْ الأُمُّ البَنَاتِ فِي حِينَ سَقَطَتْ البِنْتُ الثَّالِثَةُ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا مِنْ الصَّدْمَةِ بَعْدَ مَا رَأَتْ أختيها عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ , خَرَجَتْ تَعِيبُهُ مِنْ القَرْيَةِ قَرَابَةَ الفَجْرِ رَاحِلُهُ إِلَى بَلَدٍ أُخُرٌ وَالنَّاسُ نِيَامٌ , وَمُنْذُ ذَلِكَ اليَوْمِ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ أَيْنَ تَعِيبُهُ وَأَبَنْتَهَا , وَلِمَاذَا قَتَلْتَ زَوْجَهَا المُسِنَّ وَصَدِيقَةَ شخبوط .