الهاربون و العائدون -الجزء الثاني

0
1497

كان بالقرب منهم حلقتهم شبان يلعبون كرة قدم، فجأه ترك الجميع الملعب ركضا الى شاطى البحر والاطفالا من خلفهم فى صياح وصراخ ، فقال احدهم اكيد حد غرق فى البحر ، وقفز بعض الصيادين الشباب باتجاه البحر للنجده ، قال احد الكبار ، البحر هادى هذه الفتره فنحن لازلنا فى فصل الشتاء واهل الحافه كلهم يجيدون السباحه .

اذا كان هناك حالة غرق ستكون لطفل صغير لايجيد السباحه ولابد من انقاذه بسرعه ، قال اخر عينو خير الذين راحو ينقذون من اسرع السباحين ، دقائق ورجع الصياد عوض احد الذين هرعوا للانقاذ مناديا عليهم بصوت مرتفع ، سلامات ماحد غرق ، الجميع يركض للبحر لان سمك التكوايه خرجت قرب الشاطى، فتبادر الى الشفاه كلمات مثل الحمدلله على السلامه و بداء موسم التكوايه و كل واحد يجهز خيوط صيده ياشباب جاكم الرزق ونعم الله الى عندكم فلا ترفضوها .

وهرول عمر وسالم مع من ذهب سريعا اما ليحضر خيوط وادوات الصيد اونزل للشاطى يتفرج اويساعد فى هذه الملحمه فى الشد والجذب بين الصيادين والسمك الذى يسوقه الله رحمة منه على العباد فى هذه الاوقات من كل عام تقريبا والتى قد تستمر لساعات بين الصيادين والسمك حين تصل للشاطى فى اى يوم من هذا الموسم ، ولم تعد ترى امامك على البحر الا عشرات خيوط الصيد تتساقط على المياه وماان تلامس المياه الا ويشدها صاحبها وقد علقت بها السمكه ويسحبها الصياد الى الشاطى هكذا دواليك فى ايقاع لايكاد يهداء قليلا حتى تشتد وتيرته مثلما بدا واكثر حتى يخيم الظلام ، فتختفى الطرائد البحريه وقد انهكت قوى صائديها ليرجعوا بحمولاتهم منها.

فى الطريق الى المنزل محملين بصيدهم قال سالم مداعبا عمر هل لازلت تفكر فى ترك صلاله وخيرات بحرها من مواسم صيد التكوايه وسردين الضواغى وعيد العلاء (سردين موسمى كبير الحجم)  ومايرافقها من اسراب اسماك التبانه حتى لتكاد تمسكها باليد المجرده، او بساتينها اليانعه بخيراتها من الثمار النادرة الشهيه كالنارجيل والموز والفافاى وغيرها ومواسم الحصاد لمزارع صلاله فى الرصره والاغانى الشجيه لمن يقودون ثيران الحصاد وهى تدور فى حلقاتها الدائريه تدوس سنابل البر والذره والمسيبلى والتى لاتقل شجنا وطربا عن اغانى مقاويد الجمال على الحان صرير حبال الغرابيب الجلديه وهى ترفع المياه من الابار الى حوض المزرعه ، والخريف وخيراته من البان ومشتقاته ودجر وقنباء (مشروم) وكوم وبيضح وحشوا (والفتوح) موسم الصرب بسفنه على البحر بمحاذات الشاطى جالبه ومصدره لحمولاتها من شتى البضائع وصيد الزميم بالمئات بواسطة الشباك وغيرها وغيرها مما تتنافس فصول صلاله الاربعه فيما تقدمه لابناءها ، نظر اليه عمر باستهجان وتهكم قائلا : نعم وساترك كل هذا الذى تتغنى به الان بعد نشوتك بصيد التكوايه على مايبدو اذا كان كل ماقلت باقى على حاله اصلا لك وامثالك الخانعين لهذا الذل، التفكير فى السفر ياعزيزى محسوم ومفروغ منه ، المهم الان التفكير فى طريقة ووسائل الهروب وكيف سننفذها نعم سننفذها واقصد انا وانت شئت ام ابيت، وانا يراودنى التفكير فيه اجاب سالم منذ قرب انتهاء عامنا الدراسى الاخير والذى كان يحبط من همتى هو الوالده فليس لها احد هنا غيرى بعد سفر اخوتى الاثنين عبدالله الذى يدرس بالعراق وحامد الذى بقى فى الجبل ولن يستطيع احد منهم الرجوع حتى يغير الله بعمان حالا بعد حال

همس به عمر محذرا اصبحنا وسط الشارع ولايفترض بنا التحدث فى مثل هذه الامور، فقد باع الكثير ضمائرهم باقتياتهم على نقل مثل هذه المواضيع ، بعد ان نصل البيت ونوزع بعض هذا السمك للاهل والجيران وننظف الباقى لتجفيفه ونغتسل سنناقشه على ابريق الشاى على سطح بيتكم فهو اكثر هدوء  .
صب سالم الشاى من الابريق ومد يده بالاستكانه لعمر قائلا هاه اعطنا افكارك يابوا الافكار ، اجاب عمر  اسمع ؛ حسب مايدور بين الناس عن حالات الهروب او مايطلقون عليها هنا التهريب او المهربين تقتصر حاليا على طريقتين لاثالث لهما الطريقه الاولى والاكثر شيوعا هى عن طريق البحر سباحة ليلا بعد ان طوقت الحكومه صلاله كاملة بسياج شائك الى البحر من الشرق الى الغرب ، وانسب منطقه للنزول الى البحر هى شرق الحافه وكلما قربت من الحافه تختصر المسافه الى مابعد خور صلاله بقليل وهو المكان الامن للانطلاق برا لمواصلة المشوار عن طريق الجبل الى ارض المهره بالغيظه ومنها الى عدن ومنها بالطائره.
اما الطريقه الثانيه قال عمر هى الاقصر الا انها اكثر خطوره وهى التسلق والقفز على السور الحديدى الشائك او مايطلق عليه هنا( الشبك )ثم السير الى الجبل، وخطورتها ان السور قد اصبح مزدوج وتجوب الدوريات المحموله بمحاذاته طوال الليل ذهاب واياب ولم ينج فى اجتيازه مؤخرا الا القليل جدا باستخدام جلود الابقار لتسلقه عليها والقفز على اشواكه وقد تم صرف النظر عن هذه الطريقه مؤخرا من غالبة الهاربين بعد ازدياد من تم القبض عليهم واودعوا السجون .
لكن كل هذا فى جهه، وتوفير والحصول على مبلغ من المال وهو ليس بالقليل فى الاوضاع الراهنه ستحتاجه الى تكملة مشوار السفر ، اطرق سالم بوجهه الى الارض فلكزه عمر غاضبا بح صوتى وانا افصل لك مالدى من معلومات وانت سارحا عنى ، رد سالم استمع والله لكل كلمه تقولها ولكننى بدات اشعر بجسامة الامر من كلا جانبيه التنفيذى والمادى فقد كان تصورنا عنه عباره عن مشوار عادى كما يقوم به القاطنين خارج الشبك فى زيارتهم الى صلاله وتتم فى يوم واحد عبر البوابه الرئيسيه للشبك بعد التفتيش الدقيق وان الفرق بيننا وبينهم سيكون اجتيازنا سباحه لعدم السماح لغير القاطنين خارجه بهذا المرور ، لكنى بدات اشعر الان ان المساله اكثر من ذالك وانها قد تكون حياه اوموت.
قام عمر مودعا لسالم قائلا متوقع منك هذا الخذلان ولكنى اعرف رغبتك الجامحه فى السفر والدراسه وسترافقنى فى النهايه ولو مشيا على الجمر ، استودعك الله ولنا لقاءات سنتكلم فيها عن كل شى فلسنا فى عجله من امرنا الان.

المحامي خالد بن سعد الشنفري
يتبع…