الأَمَانَةُ فِي العَمَلِ

0
1172

لِلأَسَفِ الشَّدِيدِ أُصْبِحُ وَأَمْسَى العَالِمُ يَفْتَقِدُ إِلَى المِصْدَاقِيَّةِ فِي كُلِّ جَوَانِبِ الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ , لَقَدْ فُقِدْتُ النَّزَاهَةَ وَجُرِّدْتُ القِيَمَ وَالمَبَادِئُ الصَّادِقَةُ نَحْوَ كُلٍّ مَا يُحِيطُ بِنَا مَنْ مَلْمُوسٌ وَمَحْسُوسٌ , يَتَغَنَّى البَعْضُ مِنَّا بِالإِخْلَاصِ فِي القَوْلِ وَالفِعْلِ وَيَتَبَاهَا بِهِمَا , وَنَسِيَ أَوْ تَنَاسَى أَنْ كُلٌّ هَذَا وَذَاك يَنْدَرِجُ تَحْتَ قَاعِدَةٍ مَتِينَةٌ وَمِضْمَارٍ لَا حُدُودَ لَهُ أُسَمِّهَا الأَمَانَةَ , وَإِذَا سَأَلَتْ أَقْرَبُ زَمِيلٍ لَكَ فِي العَمَلِ .. هَلْ أَنْتَ أَمِينٌ فِي عَمَلِكَ ? ..

يِجِيب بِكُلِّ ثِقَةٍ نُعْمٌ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا فِي أَمَانَتِي !!!? , مَا هُوَ مَفْهُومُ الأَمَانَةِ لَدَى البَعْضِ فِي العَمَلِ ياترى ? ، كَيْفَ يُعْرَفُ البَعْضُ مِنَّا الأَمَانَةَ ? , وَسَوْفَ تَكْتَشِفُ أَنَّ الكُلَّ لَا يُعَرِّفُهَا بِالطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ أَبَدًا, فَهُوَ لَا يُدْرِكُ أَنْ أُبَسِّطَ شَيْءَ بِيَدِهِ وَهُوَ القَلَمُ الَّذِي يَكْتُبُ بِهِ أَوَّلُ الأَمَانَاتِ الَّتِي لاَبُدَّ أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهَا مِنْ نَفْسِهُ , فِي كَثِيرٍ مِنْ الجِهَاتِ الحُكُومِيَّةَ أَوْ الخَاصَّةُ فِيهَا جِهَةُ العَمَلِ هِيَ الَّتِي تُصْرَفُ لَكَ عُلْبَةَ الأَقْلَامِ الَّتِي تُعِينُكِ عَلَى كِتَابَاتِكَ وَتَقَارِيرِكِ فِي صَمِيمِ عَمَلِكِ , لَكِنَّ البَعْضُ يَأْخُذُ هَذِهِ الأَقْلَامَ مَعَهُ إِلَى البَيْتِ , وَيَسْتَخْدِمُهَا فِي تَعَامُلَاتِهِ الخَاصَّةِ الأُخْرَى , نَاهِيكَ عَنْ البَعْضِ مِنْهُمْ يَسْتَغِلُّ هَذِهِ الرِّزْمَةَ مِنْ أَقْلَامِ حِبْرٍ وَرَصَاصِ وفلومستر وممساحات ومبرايات يَأْخُذُهَا لِأَبْنَائِهِ حَتَّى تُعِينَهُمْ فِي مُتَطَلَّبَاتِ المَدْرَسَةِ وَالجَامِعَةِ !!! … مَنْ أَعْطَاكَ هَذَا الحَقَّ !!!?

ضاعت الأَمَانَةُ , أَعْرِفُ إِنَّ البَعْضَ مَنْ يَقْرَأُ مَقَالِي هَذَا يَقُولُ إِنَّكِ تُصْعِدُ الأَمْرَ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ كُلَّ هَذَا التَّصْعِيدِ !!؟ , هَذِهِ أَشْيَاءٌ صَرَّفَتْ الاِسْتِفَادَةُ مِنْهَا !! , نَعَمْ هِيَ صُرِفَتْ لِلاِسْتِفَادَةِ مِنْهَا وَلَكِنَّ فِي العَمَلِ وَلَيْسَ خَارِجَه ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) , إِذَا مَا هُوَ مِقْدَارُ هَذَا المِثْقَالِ إِذَا كَانَ الوَاحِدُ مِنَّا سَوْفَ يُحَاسِبُ عَلَى ذُرَةٍ , وَالذُّرَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَرَى بِالعَيْنِ المُجَرَّدَةُ وَإِنَّمَا بِتَكْبِيرِ عَدَسَةِ المُجَهَّرِ أَلِفٍ مُرَّةٍ , إِذَا السُّؤَالُ المُهِمُّ الَّذِي لاَبُدَّ أَنْ يَطْرَحَهُ كُلٌّ مِنَّا عَلَى نَفْسِهُ .. كَمْ يَزِنُ القَلَمُ الوَاحِدُ مِنْ مِثْقَالِ ذُرَةِ ياترى!!!? , نُهَوِّنُ وَنَسْتَهِينُ عَلَى أَنْفُسِنَا وَعَلَى غَيْرَنَّا فِعْلُ الشَّيْءِ الَّذِي نَرَاهُ نَحْنُ إِنَّهُ بَسِيطٌ وَيسيرٌ لَكِنَّهُ عِنْدَ اللهِ كَبِيرٌ وَعَسِيرٌ , أَعْذَرَنِي عَزِيزِي القَارِئُ أُرِيدُ أَنْ أَطْرَحَ عَلَيْكَ سُؤَالٌ بَسِيطٌ كَثِقْلِ القَلَمِ فَقَطْ .. هَلْ تَتَصَوَّرُ نَفْسُكَ تَدْخُلُ النَّارُ مِنْ أَجْلِ قَلَمٍ ?!! , طَبْعًا هَذَا قَلَمٌ فَقَطْ مَاذَا عَنْ مَنْ يَأْخُذُ الشَّيْءَ

  الثَّقِيلُ مِنْ الأَوْزَارِ .. عَفْوًا خَانَنِي التَّعْبِيرُ اِقْصِدْ الأَوْزَانَ !! , نَاهِيكَ عَنْ مَنْ يَأْخُذُ المَالَ العَامَّ لِلدَّوْلَةِ أيً كَانَ هَذَا المَالُ , كَانَ نُقُودٌ أَوْ كَمَالِيَّاتٍ , فَكَيْفَ ياترى إِذَا أَرَادَ التَّوْبَةَ فَلِمَنْ يُقَدِّمُ اِعْتِذَارَهُ وَلِمَنْ يُرِدْ المَالَ ?!! هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْتَذِرَ وَيُرِدْ المَالُ لِلشَّعْبِ كُلُّهُ ?!! , وَالسُّؤَالُ المُحَيِّرُ هَلْ الشَّعْبُ يَوْمُ المَوْقِفِ العَظِيمُ سَوْفَ يُسَامِحُهُ ? كُنْتُ أُشَاهِدُ أَمَّام عَيِّنِي صُدْفَةً مَا لَمْ أَحَبَّ أَنْ أَفْعَلَهُ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ , وَعِنْدَمَا كُنْتُ أُقَدِّمُ النَّصِيحَةَ لِمَنْ خَانَ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِ مُبْتَغَاهِ الزَّائِلِ , كَانَ يَرُدُّ بِاِبْتِسَامَةٍ عَرِيضَةٍ وَيَقُولُ بِكُلِّ بُرُودٍ .. العَمَلُ أَخَذَ مِنَّا الشَّيْءَ الكَثِيرَ وَمَا أَعْطَانَا غَيْرُ اليسيرِ , وَمِنْ ثَمَّ يَدْخُلُ البَعْضَ فِي التَّرَقِّيَاتِ وَالاِمْتِيَازَاتِ وَغَيْرَهَا مِنْ أُمُورِ العَمَلِ الَّتِي يَرَى هُوَ أَنَّهُ يَحِقُّ لَهُ مَا يَحِقُّ لِغَيْرِهِ !! , وَرُبَّمَا يَضَعُ نَفْسَهُ فِي قَائِمَةٍ المَظْلُومِينَ !! , لِهَذَا يَبْدَأُ يَعْتَدِي عَلَى أَمْوَالٍ وَمُعَدَّاتٍ وَإِمْكَانِيَّاتِ العَمَلِ اِنْتِقَامًا لِظُلْمِهِ كَمَا هُوَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ ، أَبْسَطُ شَيْءٍ يَرَاهُ مِنْ حَوْلِيَّ فِي العَمَلِ إِنَّهُ تَافِهٌ وَلَا يَعْنِي شَيْءٌ أَبَدًا , أَرَاهُ أَنَا إِنَّهُ أَثِمَا عَظِيمٌ , لِذَا البَعْضُ يَضِنُّ أَنَّكَ إِذَا كُنْتَ مَسْؤُولٌ عَنْ جِهَةٍ مَا وَهَذِهِ الجِهَةِ تَحْتَ تَصَرُّفِكَ وَبِهَا الكَثِيرُ مِنْ الأَشْيَاءِ الَّتِي مُمْكِنْ أَنْ تَسْتَفِيدَ مِنْهَا فِي بَيْتِكَ وَحَيَاتُكِ , فَهَذَا يُعْطِيكَ الحَقُّ بِأَنَّ تَصَرُّفُهِ لِنَفْسِكِ أَوْ لِمَنْ يَطْلُبُهُ مِنْكَ !! , فَلْسَفَةٌ غَرِيبَةٌ وَعَقِيمَةٌ لَمْ أَجِدْ لَهَا تَفْسِيرٍ سِوَى ضُعْفٍ النَّفْسُ الأَمَارَةَ بِالسُّوءِ , مَا يَضْحَكُ أَحْيَانًا إِنَّكَ تَعْرِفُ مقهوي كَانَ مُوَاطِنٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ يَأْخُذُ السُّكَّرَ وَالقَهْوَةَ وَالحَلْوَى وَالشَّايَ وَالمَلَاعِقَ وَغَيْرَهَا مِنْ مُسْتَلْزَمَاتِ المَطْبَخِ فِي العَمَلِ إِلَى بَيْتِهِ , وَإِذَا قُلْتُ لَهُ هَذَا حَرَامٌ يُرِدْ عَلَيْكَ بِكُلِّ هُدُوءٍ وَثِقَةٌ .. وَيَقُولُ .. تَرَاهُ مَصْرُوفَ حَالِ شُرْبٍ وَأَكْلِ موه  يَنْقُصُ شَيْءٌ .. وَهُمْ يُقَدِّرُوا وَأَنَا أَسْتَأْهِلُ , يَالله كَيْفَ بَسَّطَ الأَمْرُ !!? , دُونَ أَنْ نَحْسُبَ لِتَصَرُّفَاتِنَا وَأَعْمَالِنَا أَدْنَى حِسَابٌ وَدُونَ أَنْ نَسْتَفِيقَ مِنْ غَفْلَتِنَا نَرَى نَفْسَنَا نَقِفُ فِي نِهَايَةِ الطَّرِيقِ وَنَحْنُ خَسَّرْنَا كُلَّ شَيْءٍ , وَالشَّيْءِ كُلُّهُ هُوَ مَضْمُونُ كَلِمَةِ بَسِيطَةٍ وَلَكِنَّ مَعْنَاهَا وَفِعْلُهَا كَبِيرٌ جِدًّا , كَمَا إِنَّ عِقَابَهَا أَكْبَرُ .. الأَمَانَةُ .

ختاما ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا )

 يعقوب بن راشد بن سالم السعدي