الرونق العذب شذرات من اللؤلؤ الرطب (٣)

0
2936

نستمر بأخذ العبر وطيب الأثر من اللؤلؤ الرطب مع شيخنا المحتسب والمزيد من القصص والأخبار التي تثلج الصدر وتريح القلب.

 

وما كاد أن يستقر بهم الحال حتى قام الجماعة الذين أشار إليهم الشيخ عيسى ( بحكم التجربة) فدعوا الإمام بالقيام إلى بركا بحجة أن المسلمين لابد لهم من بحر ، لا سيما وأنه جهاد وما هي إلا إحدى الحُسنيين والإمام لا يدعى إلى خطة رشد إلا استجاب لها ، فوافق على القيام ونسي وصية الشيخ عيسى بن صالح الحارثي ، وبالفعل فتحوا بركا ومن غير اعتراض في بادىء الأمر ، وبعد يومين أو ثلاثة جاءت بارجة حربية فوقفت في عرض البحر، فأطلقت الرصاص فتجاوز البيت الذي هم فيه، ثم ضربت ثانية دونه، وكان قصدهم التحذير، فلما لم يخرجوا ضربت البيت فقصفته وهم لا يستطيعون الرد عليها لأن بنادقهم لا تبلغها وهذا ما أشار إليه الشيخ في نصيحته وفي المثل العُماني (( المجرب غالب الطبيب )) .

لكن لا ينفع اللوم والقصد لله جزا الله الجميع خيرا، رجع الجميع إلى نخل وجعلوا عليها واليًا ، ثم رجعوا إلى نزوى ، يحدث الشيخ الرقيشي معجبًا بالشيخ محمد بن عبدالله الخليلي
يقول لما كنت في بركا والبارجة نراها في البحر، خرج أكثر أصحاب الإمام يمشون على الساحل ، فأمطرت البارجة عليهم وابلًا من الرصاص فرقهم وصاروا يتحيزون وينحرفون إلا الخليلي لم يغير مشيته
حتى من بطء إلى سرعة على الأقل والرصاص من حوله وكأنه المطر فقيل له :
لم لا تأخذ حذرك من الواقع؟ قال لأي شىء خرجنا ؟. ألا لإحدى الحسنيين؟  قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

وأخبرني قال لما فتح الله على المسلمين ( نفعا )     على يد الإمام عزان بن قيس رحمه الله كان شامس بن حسن العامري من فحول الرجال ، المعدود الواحد منهم عن ألف( وواحد كالألف إن أمر عنى ).

يحدث العامري عن نفسه يقول :- كنت جالسًا بعدما فتحت نفعا وهدأت الأمور، وسيفي أمامي، فإذا بثلاثة أبطال هبطوا من الجبل ، وكأنهم الجمال يزبدون ويقولون :- ( عزرة بن نزره بن صم الحجر ما من حرث بربوه) يعني إبراء : وهم يقصدون نحوي يهزون سيوفهم ليقطعون رأسي فأردت أن أقوم إليهم وأحمل سيفي ولكن كأنما سُمِر عليّ في الأرض ، وقبض على يدي، فما استطعت أن أعمل شيئًا، وليس بي قصور من شىء ، وفي نفسي لو رأيت ملء واد من الأعداء ، وأنا وحدي ما دخلني منهم هيبة وما بقي إلا أن يقطعوا رأسي وأنا أنظر لو لا تعرض القضاء والقدر ، فما شعرت إلا ورؤوس الثلاثة تقطع من رقابها ، ورأيتها تتجندل والجثث هامدة مكانها، وما رأيت من قطعها. ويقول شيخنا الرقيشي أن هؤلاء الثلاثة من إزكي وهو يعرفهم ، وحدثني عمي عبدالله بن سليمان الحارثي عن خاله الشيخ عيسى بن صالح عن أبيه عن الإمام عزان بن قيس قال لما حاصرنا نفعا ، ووقف أهلها وقفة المستميت كدنا أن ننهزم أشار بعض الأصحاب أن نلوذ بجبل خلفنا عن الرصاص الهاطل علينا كالمطر ونحن في العراء، وأعداؤنا في المقابض هممنا أن نعمل برأيه فاعترض علينا رجل شبلي من أهل الشرقية وكان الوحيد من أهل الشرقية ، لأن أهل الشرقية ما استطاعوا أن يصلونا
لقبض العق عليهم فقال الشبلي لا أيها الإمام لا تتأخر عن مكانك ، لأنك إن تأخرت ذراعًا عن مكانك، لم يبق أحد في العسكر، سيظنون أنها هزيمة ولكن اصبر بقدر ما تقرأ الفاتحة ثلاث مرات، ولو قتلت في هذه الوقفة فسنرى النصر إن شاء الله قال :- فرأيت ذلك البدوي يركض نحو البلد، فما مضت دقائق حتى شبت النيران في الخيام التي هي شرقي البلد ديارًا مهجورة يسكنها الحضار فما إن رأى أهل نفعا النار حتى قالوا؛- (( دخلت بلادكم من خلفكم )) فولوا هاربين إلى البلاد والمسلمون يتبعونهم يقتلون ويأسرون حتى دخلنا البلاد وذاب البغي ، وكان النصر بسبب ذلك البدوي المبارك الرأي قبل شجاعة الشجعان .. هو أول وهي المحل الثاني
وحكى الشيخ الرقيشي قال :- زار الإمام محمد بن محبوب الرحيلي من صحار الإمام موسى بن علي العذري من إزكي وكانا قطبي زمانهما مرجعًا للعلماء فخطب الرحيلي من العزري إحدى بناته ،. وكان عنده ثلاث بنات ، وعندهن مربية مملوكة ، فقال الشيخ للمربية اختاري لضيفنا العزيز واحدة من هذه البنات فأعطت المربية لكل واحدة منهن على انفراد شيئًا يؤكل ، ولم تقل لها شيئًا وفي اليوم الثاني جاءت إلى الكبرى وسألتها عما أعطتها قالت أكلته ،. والوسطى كذلك ، أما الصغرى قالت :- ها هو قالت لأي شىء لم تأكليه ؟ فالت :- ماقلتِ لي كليه، بل أعطيتني ومضيتِ ، ولا أدري لماذا العطاء وماكنتُ لآكل شيئًا لا أعرفه فقالت الخادمة لسيدها هذه تصلح للضيف ، فزوجه إياها وسافر بها، ولم يعرف أهلها عنها شيئًا عشر سنوات وبعد ذلك قالت أم البنت للشيخ موسى أبيها؛- هل يعقل أنّا لا نعرف عن بنتنا شيئًا طول هذه المدة ، فسافر الشيخ ليبادل الشيخ الرحيلي الزيارة، فلما دخل البلاد أراد أن يسأل عن بيت صهره، فوجد صبيين في الطريق يختصمان في شوك بين جدار وحضار في الطريق وكان الشوك أقرب إلى الجدار منه إلى الحضار فأحد الصبيين يقول :- إنه يترك فيما هو أقرب إليه والآخر يقول يترك فيما هو شابهه فظهر الشيخ عليهما فقالا :- نحكم هذا الشيخ، فقال الشيخ كلاكما على حق وأحب أن يترك فيما شابهه ثم قال لهما أشم عليكما رائحة آل الرحيل ، فأولاد من أنتما ؟. قالا نحن أولاد محمد بن محبوب ومن أمكما ؟ قالا :- بنت موسى بن علي وأين بيتكم؟ فأخبراه بموضعه ،. وقالا نحن ذاهبان للمدرسة، فذهب الشيخ ، وكان أمام البيت شجرة قعد الشيخ في ظلها وأرسل إلى أهل البيت بوجوده، فأرسلت إليه ابنته أن اقعد حتى يأتي صاحب البيت ، فرجع الشيخ محمد قبل الظهر ، فوجد صهره خارج البيت فتعانقا،. وغضب على زوجه حيث لم تدخل أباها قالت ما أمرتني بذلك قال ؛- أنا أعلم الغيب أنه سيأتي هذا اليوم؟ فاعتذرت إلى أبيها لهذا السبب قال:- أصبتِ لو ادخلتيني ولم يكن عندك سابق إذن لما رضيتُ عليك ،. وذلك الولدان فيما يقال : أنهما عبدالله ومحبر فعبدالله أبو الإمام سعيد بن عبدالله الذي قال في حقه مؤلف تحفة الأعيان (( لا نعلم أفضل منه في عُمان إلا أن يكون الجلندى بن مسعود ))

ومحبر هو الذي يقال في حقه (( تستبرأ الأمة لو أخذت من محبر )) رضي الله عن الجميع ورزقنا أمثالهم من الشباب الناهضين ، وأخبرني الشيخ عن الشيخ ماجد بن خميس العبري وكان ثقة من أفاضل المسلمين وعلمائهم الزاهدين كان في آخر أيامه يزور الإمام الخليلي في نزوى فإذا وصل يفرض لنفسه وزوجه من بيت المال كل يوم
( ١٧ بيسة ) فإذا زيد عليها ردها من شدة ورعه وكان قد عمّر وعاصر ثلاثة أئمة : عزان بن قبس وكان واليًا على بهلا فلما قتل الإمام، وكان هو في الحصن أخبر بذلك فضرب فألاً في المصحف فخرج له قوله تعالى (( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا )) سورة مريم الآية ٥٩
فنزل من الحصن بحبل وراح إلى بلده ، لئلا يكون سببًا في مشاركة الجبابرة الاستيلاء على معقل المسلمين وعاصر الإمام سالم بن راشد الخروصي ولم يذكر الشيخ عنه أنه تولى في زمانه وعاصر الإمام الخليلي ولكنه في زمانه كان هرمًا إلا عن القيام بالواجب رحمه الله ورضي عنه ، ومن المعمرين فيما بلغنا أن رجلًا من أهل الهجر من الحواتم :- عاش منذ زمن الإمام ناصر بن مرشد أول القرن الحادي عشر وتوفي في عصر الإمام الخليلي أواسط القرن الرابع عشر الهجري وكان ذا سمع وعقل وبصر، ويقال أن لحيته ابيضت واسودت ثلاث مرات
يتبع ……

ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي