السيكل والحمار

0
1673

عندما شرع عامر فى بناء منزله فى منطقة السعاده بعد أن حصل على قطعة أرض سكنيه من دائرة الأراضى وحصوله على قرض إسكانى.
اعتاد بعد أن يعود من دوامه الحكومى فى دائرة الزراعه بصلاله وتناول الغداء أن يأخذ قيلوله قصيره يتوجه بعدها الى السعاده يتفقد العمل في المنزل ويسلم ترمسه الصغير للعامل خان ليقوم بتجهيز ابريق الشاى وتعبئة الترمس، حيث يتجه فى مشواره اليومى وقبل الغروب بساعه إلى مرتفعات عقبة حمرير فوق السعاده، فلا زال يحن كثيرا للجبل رغم مرور اكثر من عشر سنوات على إزالة السور المشؤوم أو مايسمى محليا بالشبك الذى كان يطوق المدينه بالكامل إلى البحر شرقا وغرب ويفصلها تماما عن السهل والجبل.
كان الوقت بداية فصل الصرب حيث لازالت الأعشاب تحتفظ باخضرارها ، فافترش الحصيره وأخذ فى ارتشاف شاى خان الذى اصبح يدمن عليه ، وأخذ يسرح ببصره مابين البساط الأخضر الممتد أمامه وقطعان الأبقار والماعز التى تسرح حواليه، حتى الحمير التى أطلق معظم سكان المدينه سراحها فى السنوات الاخيره تباعا لعدم وجود الحاجه لها بعد دخول السيكل والموتر سيكل والسياره تباعا، ولم تعد للحمير اى حاجه تذكر، فقفلت راجعه من حيث أتت من الوديان والسهول .
استلقى عامر على الحصيره متوسدا الارض وعينيه على الأفق بين كتل السحب الخفيفة المتفرقة وهى تندفع سريعا تحركها نسمات هواء الصرب العليل وكأنها تتسابق فى السماء مودعة الخريف ناحية البحر لتتلاشى فوق أعماقه الشاسعه وكأنها تودع صلاله مخلفة خلفها الضياء والنور ليكتسب البحر زرقته وتسترخى امواجه وتهداء .
بينما عامر مستغرق فى تأملاته احس بدبيب حوافر حيوان ماء يتجه نحوه إلا أن المقام يجعله لايعيره اهتماما، وفجأه سمع لرفس حافر بشدة على الأرض، فنهض .

وإذا هو بحمار يحدق فيه، فاستغرب ونظر إلى القطيع الذى كان الحمار برفقته فوجده قد غادر بعيدا فزاد استغرابه وبالذات من تحديق الحمار به بهذه الطريقه وكأنه ليس بهيم بل انسان يفكر ويدبر،نهره ليلحق بقطيعه، فغادر وهو متردد ويعاود الالتفات إلى عامر الذى انفجر بالضحك على مايشاهد، فهو يعرف الحمير وتعامل معها فى صباه وطفولته إلا أنه لم يرى سابقه مثلما ما بدرت من هذا الحمار الذى بدأ وكأنه يتفحصه .

لملم عامر حصيرته وأدار سيارته ليلحق صلاة المغرب جماعه فى مسجد الشعبيات بالسعاده ،إلا أن مسلك الحمار جعله يتذكر اول حمار يحصل عليه فى حياته، فقد اصطحبه والده أحد الأيام معه إلى أحد المزارع، وهناك استقبلهم صاحب المزرعة مسعود الذى بدا وكانه نزل حالا من نخلة النارجيل وقال لوالد عامر تعالوا بردوا على بطونكم بالمشلاى فهذه طعمها لم تذق مثله من قبل يابوعامر انا اسمى هذه النخلة قريبة العسل ومخصصها للبيت والمهاداه،وشربنا وكانت لذيذه جدا،فقال له أبوعامر لم لا تفسل منها وتكثرها؟

فأجاب مسعود هذا ماسيحصل أن شاءالله فلقد احتفظت بخيل (عنقود) على النخله حتى يستوي لفسله أخذهم بعدها مسعود الى ناحيه بالمزرعه مربوط بها الى جذع نخله حمار لونه اشهب جميل ، وقال مسعود مخاطبا ابو عامر هذا الحمار الصغير والدته معى من عدة سنوات وقد أنجبت اثنين قبله ويثنى عليهما من اشتروهم فهم كامهم لم تمرض يوما ولم تصب باى دبره (جرح يصيب ظهر الحمير التى يكثر الحمولات الثقيله عليها ) ويمتازون جميعا بالسرعة وقوة التحمل فلن تندم إذا أخذته، نظر الوالد إلى عامر ولم يكن عامر يستوعب بعد مايدور وقال تريد الحمار؟ فرد عامر بسرعه صحيح ستأخذه ياابى؟!

فأجاب الوالد نعم ياعامر ساخذه لك فلقد أثبت انك رجل يعتمد عليك وسيعينك هذا الحمار على اعمالك فى المزرعه والسوق، فما كان من عامر إلا تقبيل يدى والده، ودفع ابوعامر لمسعود 30ريال فرنس (ريال مارى تريزا المعدنى) قيمة الحمار وهو مبلغ يوازى قيمة بقرتين او ثلاثة فى تلك الفتره وأخذ الحمار، فودعه الرجل قائلا انتبه أن يركبه عامر قبل أن تدربه انت اولا فأنا لم اركبه سوى مره او مرتين ويستحسن أن يدرب، أجاب ابو عامر بالإيجاب وتوجهوا وابنه قافلين إلى المنزل.
فى اليوم التالى اسرج والد عامر على الحمار ونادى ابنه هيا نذهب الى شاطئ البحرلندرب هذا الحمارالبطران على مايبدو فابتسم عامر فرحا وقال هيابنا وانا ياابى ساسميه من اليوم البطران .
على رمال الشاطئ الكثيفه حملوا على الحمار حموله ثقيله من الرمل وجعلوه يسير وسط أكوام رمال الشاطئ ذهابا وجيه لعدة مرات حتى تأكد ابو عامر بأنها كافيه لتدجينه وسلمه لعامر ليقوده راكبا إلى البيت.
من يومها والبطران رفيق عامر فى كل تحركاته وصار طيعا لعامر بل ويستجيب لكل مايدرب عليه ،وكان عامر ياخذه إلى سوق الحصن لجلب الأغراض ويربطه فى أحد النخيل المطله على السوق والحصن وكان الحراس احيانا يشنون حملات مفاجئة لإطلاق الحمير وطردها خارج الأسوار الا ان البطران فى كل مره يرجع لوحده إلى البيت بل إنه إذا وجد باب البيت الخارجى مغلقا يضرب برأسه عليه فيمايشبه الطرق إلى أن يفتح الباب فيندفع إلى حظيرته فى حوش البيت الخلفى، وأصبح البطران مصدر دخل
سنوى جيد لعامر فقد كان الصيادين الذين يضطرون للذهاب يوميا إلى ريسوت للاصطياد لاستحالة ركوب البحر من شاطئ صلاله فى الخريف وكان البطران مطلوب كثيرمنهم لسرعته وقوة تحمله ويدفعون مقابل ذالك نصف ريال فى اليوم اضافه الى صيد للبيت يوميا وهذا ماجعل عامر يشترى سيكل من أفضل الأنواع بعد أن أمكن للجميع شراءها بعد النهضه وقد كان هذا يراود عامركثيرا حيث انه لم يكن سابقا يسمح بشراءالدراجات إلا بترخيص رسمى يصرف لبعض الفئات كموظفى الحكومه وبعض التجار.
أصبح السيكل بديل للبطران إلا فى بعض الحمولات الخاصه ، نقل ابو عامر الأبقار من حوش البيت الخلفى إلى المزرعة ليستغل مساحة الحوش فى إضافة غرف بالبيت بعد أن أصبح يضيق على العائله كثيرا لكبرها ولأنه فى السنوات الاخيره من العهد السابق منعت الاضافه او البناءكان مثلها مثل السيكل والراديو والسفر انتهاءا حتى بالمدارس الاهليه والكتاتيب التى منعت قبل أشهر من انتهاء هذا العهد وقدكانت عقوبة البناء او الترميم على سبيل المثال السجن لمده لاتقل عن سنه.
وطرد البطران ولم يعد له من نصير بعد أن استولى السيكل على كل وقت عامر وظل البطران يتردد على البيت بين الفينه والأخرى لكنه يقابل بالطرد كالعاده فلم يعد له مكان فيها ياوى إليه حتى تباعدت فترات رجوعه وانقطع تخبيطه وطرقه الباب وظل يأتى على فترات متباعدة من باب الاستطلاع على مايبدو فقط لعل الحال يعود إلى ماكان عليه ولكن عودة الحال اصبح من المحال فلم يعد أحد ينظر إلى الخلف والكل يلهث وراء الغد والمستقبل، الكل منشغل بتحقيق اكبر مكاسب من هذه المرحله المزدهره وكانه الخوف من التفكير حتى فى الرجوع للماضى حتى من منطلق العظه وان المستقبل بيد الله وهو مدبر الأمور فى النهايه.
فجأه وعامر يستعرض شريط الذكريات هذا أوقف سيارته فجأه وكأنه تذكر شى فاته وانهالت عليه كميه من الأسئلة والهواجس هل كان ذالك الحمار الذى رايت ويتفرس فى ملامح وجهى هو البطران؟!نفس اللون اشهب جميل هل هذا يعقل ياترى ؟ !!لم لا! لو خطرت لى هذه الفكره حينها لكنت دققت فى جسمه واعرف عدة علامات ستدلنى اكيد؟! الحمير تعمر أكثر من 25عام واليوم نحن في 1982ممكن جدا أن يكون لازال عائشا!

لالالا هذا غير ممكن وغير عقلانى، وهل ان الحمير مع سؤ معاملتنا لها وقسوة استغلالنا لازالت تحن لنا نتيجة العشره فقط ونحن قد تغيرنا فى سنوات قليله واصبح الواحد مننا مستعد لتجاوز رقاب حتى اهله وجيرانه ليضمن المستقبل.

لم تتوقف او تكف مخيلات وهواجس عامر المختلطه الاعلى صوت المؤذن لصلاة المغرب فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وهرع إلى المسجد ليلحق بصلاة المغرب ويخرج من هذه الحاله التى تلبسته ليفرغها من رأسه بسجوده لربه طويلا.

خالد بن سعد الشنفري المحامى