العم ثاني

0
9483

الأقدار تسوق الأرواح والأبدان سوقًا إلى فسيح الجنان وهناك من البشر من لا يغيبون أبدًا عن الأذهان فمنذ أيام قلائل تلقيت خبر وفاة العم ثاني بن حميد الوهيبي وهو خارج الوطن لتلقي العلاج

وقد وصل جثمانه الطاهر من الهند يوم الخميس الماضي وقد شهد دفنه وجنازته خلق كثير قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) صدق الله العظيم (لقمان٣٤)،

وقد زارني العم ثاني في بيتي قبل سفره بأيام ومتعني برؤيته وحظيت بتقبيل رأسه وجبهته وكأني استشعرت وداعه وأن ذلك اللقاء كان هو اللقاء الأخير معه حيث كان برفقة ولده سعيد وقد بدى على وجهه وملامحه إرهاق المرض وصراعه الطويل الذي دام أشهر وقد عاتبته لعدم إخباري بذلك كي أبادر بزيارته والمريض أحق بالزيارة والعيادة بين الفينة والأخرى للاطمئنان على أحواله ومعرفة الجديد عن صحته

وبرغم المرض إلا أن ابتسامة العم ثاني كانت حاضرة لا تفارقه وقد قال لولده سعيد إن ماجد هذا ولدي أيضًا وهو أخوك يا سعيد فيالها من شهادة عظيمة من رجل عظيم كان محبًا للخير ودودًا مع الغير أحبه من عرفه وسأل عنه من فقده وقد ترك لنا ثلمة في حيفظ بل في جميع المناطق بمحافظة مسقط

كان مثالًا للأخلاق الرفيعة وكان صبورًا كتومًا ناهيك عن كرمه وتواضعه، وأذكر في احدى المرات كنتُ ذاهبًا لعزاء أحد الإخوة وهو مسعود الناعبي في منطقة فليج قريات برفقة زملاء العمل في وفاة أحد أقاربه وكان العم ثاني يعمل معنا آنذاك في نفس القسم قبل انتقاله إلى قريات فما كان منه لما رآنا في العزاء إلا أن قال لا رخصة لكم اليوم وغداؤكم عندي حاولنا معه وأخبرناه بأن الوقت لا يزال باكرًا على الغداء ولكنه أبى وقال سوف نأخذكم جولة في ربوع البلد إلى أن يحين وقت الغداء وقد اخذنا جولة في حيفظ المطلة على الجبل السعتري حياه الله من جبل وأنعم وأكرم بها من بلد ، معقل من معاقل بني وهيب منذ الأزل ولنا فيها أقارب وأرحام وصلات وعلاقات منذ زمن جدي ناصر رحمه الذي يذكره القاصي والداني في أرجاء هذه المعمورة من روي وحتى أواخر قريات (على طول هذا المسحاب ) بلهجة اهل عمان وكان عمدة زمنه وإليه تؤول الأمور آنذاك وقد حباه الله من الأرزاق ما أنفقها في خدمة البلاد والعباد حتى بلغت شهرته في الكرم الآفاق

ولكل عصر دولة ورجال والرجال يعرفون بحميد الخصال، صلينا الظهر في حيفظ ثم دعانا العم ثاني إلى بيته لتناول وجبة الغداء ولعمري ما هذا الغداء فقد ذبح لنا من أجود ذكور مواشيه لحمًا طريًا شهيًا وبرغم مضي وقت طويل على هذه القصة إلا أنني لم أنسَ ذلك الكرم الفياض بل لم ينسَ من كان معي من الإخوة وهذا غيض من فيض من كرم العم ثاني وحسن خلقه وتواضعه للناس ولقد فقدناه جميعًا بل فقدته حيفظ التي كان يتنقل بين ربوعها ولكن العزاء هو الدعاء وملاك الأمر الصدقة في السر والجهر صبر الله أهله وذويه وجميع أولاده وأخص من اخوته الذين اعرفهم الهُمام سلطان ومن كان برفقته في سفره للهند أخوه الشهم سالم ولقد كان من أخوال أولاده من كان معه في السفر أيضًا جمعة بن حمود الذي لم يفارقه لحظة إلا لضرورة لا محيص عنها وممن لنا معه تواصل صاحب المعروف والإحسان كذلك ( ساعد بن حمود ) صبرهم الله جميعًا على فراقه وجمعنا به في أعلى فراديس الجنان.

بقلم / ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي