يا نخلتين … بقلم المحامي خالد بن سعد الشنفري

0
4298

ببرأة الطفوله كنت اذا استمعت إلى اغنية ورده الجزائرية : يانخلتين فى العلالى يابلحهم دوا .. يانخلتين على نخلتين طابوا ف ليالى الهوا ، كنت اعتقد ان ورده كانت تتغنى فى نخلتى عمان ، نخلة التمر ونخلة النارجيل والا لما لاتقول يانخلة فى العلالى بدل نخلتين!! ولعلمى انه لاتوجد بلد فى العالم يحتضن أرضه هاتان النخلتان لحاجة كل منهما لأجواء مناخية مختلفه تماما عن الاخرى.

إنها لاشك ميزه ربانية اختص الله بها عمان كما اختصها بخصائص كثيره،ونعمه ربانيه تتوجب الشكر للخالق المعطى، وبالشكر تدوم النعم.ولكن ما هو حالنا مع هاتان النخلتان؟ فمنذ نعومة اظفارنا علمونا أن عمان كانت تصدر التمور إلى الهند وآسيا وأفريقيا ولا ارانا اليوم إلا مستوردين لأنواع شتى من التمور من الدول المجاوره ودول اخرى بل ومعظم استيرادنا من الانواع التى تزرع اصلا وتنبت فى عمان كالخلاص وغيره للأسف.

من ناحية اخرى لقد اصبح جليا لكل الجهات المعنيه بالزراعه ان نجد ظفار أصبحت نتائج زراعة نخلة التمر فيه التى أقيمت فى عدة مزارع للتجارب على مدى عقود يؤتى أكله والمساحات هناك شاسعة ومنبسطه وبكر اى لاامراض ويستوعب الملايين من نخيل النارجيل فلم لاتقام عليه مزارع تقوم عليها مصانع.

وقرأنا للرحاله العربى والمؤرخ الشهير أبن بطوطه عندما زار ظفار البليد قبل حوالى 800سنه من الآن أن ظفار كان (النارجيل )أحد أهم منتوجاتها ويقوم عليه نشاط صناعى وتجارى مثل عسل النارجيل الذى يصنع ويصدر الى إلى اليمن وأفريقيا، واليوم تستورد عمان معظم منتجات النارجيل كالزيت والمبشور وكلها كانت إلى وقت قريب تنتج فى البيوت عند أهل ظفار على الاقل.

أن مايحصل فى عمان فيما يتعلق بهاتان النخلتين لمن المفارقات التاريخيه العجيبة والاعجب أن لا أحد يعير هذا الأمر انتباها ولااهتماما،لامسؤل مختص ومؤتمن على عمله ولا مواطن غيور على مقدراته ، ومع اهمالنا لنخلتينا بهذه الصوره، أخشى أن نعد ناركين للجميل ، فبأمكاننا فى هذا العصر أن نعطي الكثير للمحافظة على نخلتانا ليس فقط من باب الشكر لله والوفاء لما قدمتاه لنا وأجدادنا على مر العصور على هذه الأرض الخيره المعطاه،بل لانهما ستعطيانا بالمقابل مايمكننا إذا استغليناه صناعيافى عصرنا الصناعى هذا ان يكون له مردود ذو شأن فى دخلنا القومى ، لقدكان غذائنا منهما وأسقف بيوتنا وقصورنا من سيقانهما وسفننا من حبالهما وكذا أثاثنا وحطبنا ولا نغالي إذا قلنا ان أغلب شؤون حياتنا ومعاشنا منهما.

تكفلت احدهما بشمال عمان والثانيه بجنوبها ويتم التبادل التجارى بهما بين الجهتين، وقصيدة: (الجارز مع الحالى بغى له رياض) الشعبيه يتغنى بها عمال المزارع فى صلاله قديما و تعنى اكل التمر الحالى مع الجارز وهو لب ثمرة النارجيل المستويه نضجا يحتاج استراحه من العمل للتمتع باكله.

ولازالت هاتان النخلتان شامختان منذ آلاف السنين وكأنهما فى حراسه دائمه لاتغفو لبوابتى عمان الجنوبيه والشماليه تلهماننا أن نستمد شموخنا منهما.فماذا أصبح مصيرهما عندما رزقناالله وزادنا من نعمه علينا بدائل دخل مؤقته بطبيعتها وجدنا فيها رفاه حياتنا واستغنينا عن نخلتينا، وهل سيدوم الحال علينا بما نحن فيه؟!

أصيبت نخلة التمر بأمراض مما ادخلناه عليها من أشجار من خارج طينتها التى تاقلمت عليها آلاف السنين ولم نبادر لتدارك ذالك اولا بأول لأنها لم تعد مهمه لنا كالسابق فاصيبت بأمراض مثل ذبابة المكنسة وغيرها فقلت وتناقصت إعدادها بعد أن قترنا عليها بالماء والرعايه وفضلنا أصناف الأشجار الجديده عليها حتى تيبست واصبحت أعجاز نخل خاويه وهذا مانشاهده بام اعيننا اليوم فى سهل الباطنه وغيره من المناطق

ولولا أن جاء فرجها اخيرا كالعاده على يد بانى ومؤسس عمان الجديده صاحب الجلالة أطال الله فى عمره بمشروع المليون نخله. لقد جاءها الوفاء من ابن عمان الوفى البار ،كلما نرجوه ان لانتوقف عنده كحكومه ومؤسسات معنيه وكأفراد بل ان تكون هذه المبادره الكريمه من لدن جلالته رساله وحافز لنا بمشاريع مشابهه لآلاف ومئات آلاف من النخيل من هذه الشجره المباركه بالتدرج لتستعيد مكانتها وتربط حاضرها بماضيها فإننا مطالبون إذا قامت الساعه وفى يد أحدنا فسيله فليغرسها هذا هو اسلامنا.

أما نخلة النارجيل فاسمحوا لى أن استرسل فيها قليلا وابث شجون الوفاء لها، فلقد نشأت وترعرت بين سيقانها وتحت افياء ظلالها وشراب ولب ثمرتها، لقدكانت والى اربعة عقود أو يزيد ، ثمرتها شديدة الاخضرار ناعمة الملمس مستديرة الشكل يزيد حجم معظمها عن ضعف حجمها الحالى ، الواحده منها تروى عطشك شرابا مكنون وتشبعك لبا شهيا لذيذ، تقزمت تدريجيا بين ناظرينا حتى أصبحت على ماهى عليه الآن وأصيبت قشرتها الخارجيه بالتشوه والتجذم واخشوشن ملمسها ومال لونها إلى الاصفرار الذابل ،وبرغم انتشار دوائر الزراعه والبحوث الزراعيه فى المحافظة إلا أن افاتها فى ازدياد وكأنها ترسل عتبها الينا وتقهقرها يزداد باضطراد عكسى

إن أخشى ما أخشاه إذا استمر الحال على هذا المنوال أن تصبح قريبا ثمرتها بحجم الكمثرى! الف سؤال وسوال يثار ولكن ليس من جواب وكان لاحياة لمن تنادى الحمدالله على أنها لازالت شامخة بقامتها، وليس هذا عليها بغريب! أليست سيدة الأشجار التى تموت وهى واقفه ، لقد زرعها الأجداد بنزح المياه اليها بواسطة الجمال والثيران ، بل وبالسطول بالايادى العاريه على السهل والشواطئ حيث المكان المحبب لنموها بالقرب من الملوحه فماذا قدمنا نحن بامكاناتنا وبمعداتنا ومختبراتنا سواء بمعالجة امراضها التى تسبننا نحن بها أو زيادة إعدادها؟لاشى للأسف.

من المعروف ان معهد بحوث النارجيل فى سريلانكا يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة لاهميته وهكذا تهتم الشعوب بثرواتهاالقوميه، واعرف ان عينات أخذت من نارجيل صلاله الى معامل النارجيل فى الهند وسيرلنكا للدراسه وكانت النتيجه أن نسبة الزيت فيها تزيد عن نسبته هناك وان لب نارجيل صلاله اسمك من نظيره فى البلدين بنسبه ملحوظه مما يعنى أن الجدوى الاقتصاديه مرتفعه جدا ، لقد عشق أجدادنا النخله فتعايشو معها واحبوها فاحبتهم وعطوها واعطتهم، كانو يعرفون أنواعها ، ويحرصون على الإكثار من الاجود منها وأصبح مصيرهما بيد المزارع الوافد عدو الشجره المثمرة الساعى إلى الإنتاج السريع ليستفيد منه فترة تواجده بالسلطنه.

لقد سمعنا فى التسعينات بمشروع 100000 نخلة نارجيل فى المنطقه بين ارزات وطاقة على البحر لو نفذ حينها لكانت تقوم عليه الان مصانع لزيوت النارجيل المطلوبه بشده عالميا لدخولها فى صناعة الأدوية ومواد التجميل الباهظة الثمن وأنواع قيمه من الأغذية وايضا مصانع مبشور النارجيل الذى يدخل فى صناعات عديده ،ومصانع الفحم سريع الاشتعال بطى الاحتراق لشهرة قحوف ثمرة النارجيل به ولكان بالإمكان أيضا استغلال المساحه مابين اشجاره فى زراعة أنواع كثيره من الخضار كالبطاطس بنوعية العادى والحلو (الفندال) ولاستوعب هذالمشروع الآلاف من أبناءنا من مختلف التخصصات فى الزراعه والصناعةوعلومهما ووظائف اخرى شتى، ولن يكون صديق للبيئة بل شقيق لها، ويزرع ايضا الأناناس بين أشجار النارجيل فى آسيا وأعتقد أن مناخ صلاله ملاءم لزراعته، اى فوائد شتى لاتحصى ستكون منه وتكاليفه ليست عاليه مقارنه بمشروعات أخرى دخيله وليس لها نفس الجدوى المرتفعة.

أن نخلة النارجيل تعد الشجره الأولى والوحيده على مستوى العالم التى يمكن تصنيع 100منتج من مشتاقاتها ،إلا انه لازال بالإمكان إلى اليوم تدارك وتصحيح مافات والاهتمام بهذا الكنز الاقتصادى إذا توفرت النوايا الصادقه والمخلصه ولم يفتنا القطار بعد فالنخله متجذره ومتربعه ولن ينافسها منافس دخيل ،لقد اصبحت الدول المنتجة للنارجيل تصدر أوامر صارمة بعقوبات قاسيه على اقتلاع الأشجار القائمه للنارجيل فى كل من الهند وسيرلنكا وغيرها رغم مساحة اراضيها الشاسعه لندرته عالميا ومحدودية الدول التى مناخها ملاءم لزراعته فهكذا تهتم الدول المنتجه لها لمعرفتهم بحقيقتها واهميتها فماذا فعلنانحن غير التفرج عليها تنهار امامنا وزراعتها على جوانب شوارعنا كانها شجرة زينه.انه فى إطار سعينا الحثيث المتسارع اليوم فى عمان لإيجاد بدائل للنفط اﻵيل للزوال قيمة وكميه وللغاية التى أصبحت ملحه ومسألة حياة وهى إيجاد فرص عمل لأبنائنا ،فعلينا الالتفاف نحو كنزنا الذى بين أيدينا ونتوقف عن البحث خارج الصندوق كالعاده، و ان نركز وان ننمى ونستثمرعاجلا وبجديه مدروسه فى نخلتى عمان .
وفقنا الله جميعا لمافيه الخير والسداد تحت البار الوفى قائد عمان

المحامي :خالد بن سعد الشنفرى