متى يكون المرء وطنيا في وطنه؟

0
1873

 كنت عائداً بعد صلاة المغرب ماشياً على الأقدام إلى البيت، حيث تفصل المسافة بين المسجد والمنزل ما يزيد على الكيلومتر، فتعد فرصة مناسبة للتريض، وأثناء سيري في الطريق بين المنازل. تلاحظ لي موقفاً ليس غريبا بالطبع، ولكن دفعني للتفكير فيه، فقد كان يسير أمامي صبياً في عمر العاشرة تقريباً، يحمل في يده علبة مشروب غازي، فيحتسي منها وهو يسير على الطريق، بالطبع الطريقة الخطأ، حيث إن الشرب مع الحركة، قد يسبب له تسرب الشراب في مسار آخر غير المسار الطبيعي للسوائل، وعلى ما يبدو سارت الأمور دون مشاكل، فنضبت الكمية من تلك العلبة، فلم يحيره أمر التصرف بها، فرماها على قارعة الطريق، وقد فعل ذلك وهو مقتنع إن ذلك التصرف هو التصرف الصحيح، وإلا لو كان رآه غير صحيحاً، لتلفت حوله قبل أن يفعل ما فعل، وخوفاً من أن يراه أحد الناس ويعتب عليه. تُرى ماذا لو كان ذلك الصبي رُبِّي تربية وطنية صحيحة؟ فهل كان سيرمي بالعلبة الفارغة على قارعة الطريق؟ أم كان سيفعل العكس، وسيلتقط العلبة التي رماها غيره، ليضعها في حاوية الزبالة التي توجد بجوار الطريق؟

وهل فكر في عاقبة تصرف بسيط مثل هذا؟ وما الذي سيترتب عليه عندما يكرره هو وزملائه من صبيان الحارة؟ أجزم إن عملاً مثل هذا – برغم بساطته – إلا إنه يُربِّي نفساً مريضة بالإتكالية .. وألا مبالاة، وعلى هذا السلوك عليك أن تنظر إلى مستقبل مأزوم مهزوم، حيث يحلم الإنسان فيه، بأنه يجب أن يقدم له كل شيء دون عناء، لأن الإتكالية والاعتماد على الغير، قد ترسخت في النفس منذ سني الطفولة، وأصبح مثل ذلك السلوك تقليد متبع. إذن نحن نعيش كشعب من صنع الإتكالية، ونحنُ من ربَّى هذا الجيل على الخمول والكسل، والهروب من تحمل المسؤولية تجاه الذات أولاً، وتجاه الوطن ثانياً، فبعدنا عن الجدية “وتبرذلنا” عن العمل، وحتماً مثل هذا السلوك سيتوارث بين الناس بمضي الوقت، وسنتحول من أمة منتجة تعتمد على ذاتها، إلى أمة تعتمد على غيرها في إدارة شؤون حياتها

ولن نجد من يقوم بالعامل البسيط، بل لن نجد من يقوم بعمل الجندية التي يحمي الوطن، وسنصبح كدول البترودولار، نعتمد على “بلاك ووتر” في حماية أنفسنا وأمننا الوطني، لذلك ينبغي علينا أن نراقب تصرفاتنا الحالية، وننظر إلى المستقبل بجدية وحزم، ومن ثم تصرفات أبناؤنا كي لا نضيّع غدنا بأيدينا، والتسبب بإهمالنا في ضياع الأجيال القادمة. إن الإنشغال بالمقارنات الظالمة التي يجريها البعض منا مع دول الجوار، قد تغرق الأمة في التضليل، وقد نغفل بالمقارنة بين الدخل والمساحة وطبيعة الجغرافيا والفارق في عدد السكان الوطنيين، وليس المجمل الكلي للسكان.

واذا نحن أمعنا النظر فيما يجري هناك، فإننا سنرى كيف أُغرقت شعوب تلك الدول في الترف والرفاهية الخادعة، وكيف أضرت بشعوبها من حيث تدري أو لا تدري، فقد تخدروا بفيض الهبات والعطايا، فما عسانا فاعلون كشعب عُماني عُرفَ بالجد في العمل والصبر على المصاعب، وها نحن ننزلق في الترف والرفاهية الوهمية الزائفة، وقد هبت رياحها على غير ما تشتهي سفن التقدم، والرقي الذي يُصنع بالسواعد الوطنية، لا بإستجلاب الخدم من الخارج، وتلك العلبة الفارغة التي رماها الصبي، هي مجرد مثال لا تعبر عن قيمة الوطنية، ولكن ما خفي كان أعظم لو كنتم تعلمون.

بقلم /حمد بن سالم العلوي