في قلبِ رجل

0
1814

جلس على المقهى وحيدًا تصارعه الهموم يحتسي أفكاره على ما كان بالأمس واليوم ، يبسط الأفكار ويسعى لحلها لعله يصلح ما أفسده التيار، ولعل من يفكر فيهم يعيدون النظر ويتداركون أنفسهم ولكن هيهات يذكرني بجزء من تضحية النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي لا حدود لها وليس لها شبيه أو نظير في حرصه على هذه الأمة حتى يكونوا تحت راية الإسلام وعدله.

وقد خاطبه ربنا جل وعلا في سورة الكهف بقوله (…فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ) صدق الله العظيم سورة الكهف الآية٦وغيرها من الآيات التي وصف فيها ربنا تبارك وتعالى حرص النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكثرة التفكير بأمته ليل نهار حتى كاد يهلك نفسه من كثرة الحرص والتفكير بهذه الأمة

وقد ضحّى هذا الرجل أيضًا بالكثير فيما كان يسعى إليه ولأجله فبذل ماله ووقته وصحته كان محبًا للخير ودودًا مع الغير كان متواصعًا ومبتسمًا في معظم الأوقات وكريمًا مع من يعرفه ومن لا يعرفه، احتوى الجميع بعطفه واجتماعيته ففقده الغائب قبل الحاضر وهناك من البشر من اذا رحلوا يفقدهم كل شىء حتى الأروقة والطرقات .

وكلما مررت بتلك الأمكنة تذكرك بنفسها بهم فسبحان من أودع في القلوب حب من يشاء وكتب لأوليائه وأهل طاعته المحبة والقبول وحينما يأذن الله جل جلاله بالرحيل هيأ أسباب الرحيل ودعا من شاء من عباده إليه وقد يكون هذا الرحيل سريعًا في بعض الأحيان وقد يتأسف المرء بعد هذا الرحيل حيث إن الحظ لم يسعفه بالجلوس مع من فقده كثيرًا ولكنها الأقدار والمشيئة التي يدير زمامها أحكم الحاكمين وهي بيد أكرم الأكرمين، تخلق هذا الرجل بالخلق الحسن وكان بالغ الكرم واسع الصدر طيب النفس زاهدًا فيما يملك حتى لو أن أحدهم طلب ما في يديه لأعطاه إياه، كان يحوي قصص الغابرين وأخبار المتقدمين وإن جالسته فلن تمل الجلوس إليه ولا الحديث معه، كثيرًا ما كان يتوارى عن الأنظار وينزوي عن البشر رغم حبه لهم ورغم ابتسامته العريضة إلا أنه كان يحمل همًا عظيمًا وحزنًا عميقًا قد دفن هذا الحزن في قلبه حتى وإن أخفاه ظهر على وجهه فهو واضح عند الجميع في سائر شؤونه لا يعرف النفاق ولا المجاملة، وإذا هم بزيارة أحد تأبى نفسه السخية إلا أن يحمل معه شيئًا لمن يزوره تعلقت نفسه الطيبة بالطيب وحبب إليه قيام الليل وتلاوة القرآن الكريم ومعظم أوقاته في المساجد وكان ينوع في زيارتها وإن لازم في بعض الأحيان بعضًا منها فهو من عمار وزوار المساجد وله نصيب وافر مع كل راكع وساجد، وحُقت له هذه الشهادة والمرء يُعرف بأفعاله وكريم خصاله، اتصف بالذكاء والصبر على الإيذاء وكان بارًا بوالديه محبًا للضعفاء يؤثر على نفسه ويقدم غيره، يرغب فيما عند ربه من الجزاء.

بقلم / ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي