عمان ليست محايدة

0
2531

منذ ما يسمى بالربيع العربي ومنطقة الشرق الأوسط في توتر مستمر ، والأزمات السياسة في استمرار وتزايد مخيف لا يبشر بالخير والانفراج القريب رغم اماني ودعوات الشعوب بأن يحل الهدوء والسعادة والامن عليهم ، ولكن في أرض الواقع أن الازمات تزايدت بشكل ملحوظ ، وأصبح الكثير من العقلاء يؤيدون تفاقم الازمات لدرجة أن الفرد أصبح لا يفرق بين التهور والعقلانية.

ولان عمان جزء من جغرافية الشرق الأوسط ، فكان لابد منها أن تتفاعل مع او ضد الدول المتصارعة ، وكما لاحظ الجميع أن الكثير من الإعلاميين والمغردين والكتاب اصبح يكيل التهم لسلطنة عمان بسبب اختلاف وجهات النظر التي لا تتوافق مع وجهات نظرهم واجندتهم التي يتبنوها ، وتستمر الضغوطات على عمان عند كل مناسبة ، وتتزايد هذه الضغوط بكافة الأساليب ، لعل وعسى أن يرضح العمانيين لما يرسمون ويخططون ، لكن عمان وقيادتها ابت إلا أن تكون منحازة لوجهة نظر مستقلة وغير قابلة للمساومة السياسية.

بالفعل ، فعمان منحازة وغير محايدة كما يتوقعها البعض ، فالمتابع للسياسة العمانية منذ النهضة الحديثة أو من الآلاف السنين في كتب التاريخ يعي أن عمان بالفعل منحازة للسلام العالمي والتعايش السلمي بين الامم والشعوب واحترام الغير وتقدير الأخوة والجيرة , عماننا منحازة للتعاون في كل ما يخدم التنمية وبناء الإنسان وتعمير الأرض وكل المبادئ السامية التي ترفع من قدر الإنسانية إلى مراتب العلو.

عمان منحازة لهذه المبادئ المذكورة سلفا ، ولم يأتي ذلك من فراغ ، بل من دروس تاريخية معروفة سواء داخل المحيط العماني أو خارجه وتم الاستنتاج بأن الأمن والأمان الداخلي والتعاون الدولي هي المبادئ التي تجعل من اي بلد صلبا ومتحدا وله اهداف وغايات موحدة وواضحة ، عمان لم تكتفي بالعبر والدروس التاريخية بل استمدت المبادئ والقيم من الدين الاسلامي الحنيف وكافة الأديان السماوية الذي دعت الى التعاون على البر والتقوى ومخاطبة الناس بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ونبذ الفرقة والتناحر والتعدي على الآخر دون وجه حق أو من خلال مبررات صاغها من له مصلحة معينة.

لم تكتفي السلطنة بالدين والتاريخ ، بل ذهبت اكثر من ذلك ، أو بمعنى آخر وفقت وذلك بتوفيق من الله جل جلاله بأن يرزقها ويرزقنا حاكم حكيم سلطان السلام والتسامح والتعايش سلطان القلوب السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – من سلالة لم تعرف بتاتا بسعيها للحروب والتناحر واختلاق المشاكل أو التوسع او الأطماع ، بل استطاع بحمكته وبصيرته ونظرته المستقبلية أن يجمع جميع العمانيين من مسندم الى ظفار تحت لواء الدولة العمانية بعيدا عن نعرات المذهبية والطائفية والقبلية والمناطقية لترسم ملامح فسيفساء جميلة تسر الناظرين ، فما كان بحكمة وعقلانية قائد البلاد إلا أن تريد السياسة العمانية الا حكمة وتقديرا للمبادئ الإنسانية والأخلاقية التي نادت بها الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية المحايدة الحاملة للمصداقية البعيدة عن الاجندات البغيظة ، وتجنيب عمان والمنطقة ويلات حروب لا يعي عواقبها الا العقلاء والحكماء والناضجين والعارفبن بمعنى الحروب والفتن وما تخلفه من تخلف واثار وجروح اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية لا تطوى بسهولة ابدا.

على عمان أن تفتخر بعدم حيادها بل تحيزها الواضح للسلام والتنمية والتعاون المبني على المصلحة المشتركة واحترام آراء وجهات نظر الغير والسعي الحثيث للتقريب بين الفرقاء ونزع فتيل الازمات على المستوى العالمي ، على عمان أن تفخر وتفاخر بهذا التاريخ المشرف الذي لم يسعى قط الى التوسع واختلاق الدراما السياسية لأجل مصالح رخيصة ، فالسياسة العمانية لا تعمل في الظلام أو مبنية على امزجة شخصية أو تسعى إلى حيك اللون أو المؤامرات ، بل تعمل في وضح النهار وواضحة وضوح الشمس ومبنية على أسس قوية راسخة مما جعلها من الثوابت العمانية المعروفة التي يشار إليها بالبنان وتقترن بالشخصية العمانية المتسامحة والمسالمة ، هذه السياسة المتزنة مكنتنا من خلق نموذجا سياسيا متكاملا فريدا من نوعه يمكن للاكاديمين أن يتبنوه لتدريسه وتدارسه في كليات العلوم السياسية ، فإن كان لعمان الالاف الانجازات ، فهذا النموذج المشرف الذي يحمل في طياته المبادئ والقيم الإنسانية الرفيعة يعتبر من أهم الإنجازات منذ عام ١٩٧٠م إلى هذه اللحظة ، وعلى كل مواطن عماني أن يتامله ويستشعره ويشكر الله تعالى على هذه النعمة التي لا تقدر باي ثروة زائلة ، واخيرا ستظل عمان حاضرة في المشهد السياسي المتحضر وفاتحة صدرها لكل من يسعى للتعاون وتعمير الأرض واحترام القيم الإنسانية والأخلاقية السامية.

بقلم / خلفان الطوقي