للباحث الكويتي العميق في طرحه الدكتور/ فارس الوقيان الكتاب الذي نشرته دار الوراق وسيكون غدا في جناحها بقاعة الفراهيدي p3 حين يكتب عن المواطنة مواطنٌ عاش لحظة صعبة مر بها وطنه، فإن ما يكتبه سيكون نابعا من القلب .
وحين يكتب عن المواطنة باحثٌ سبر كثيرا من النظريات التي حاول الباحثون توظيفها لفهم كيفية تشكل هذه الكلمة الفارقة في التاريخ الإنساني، حيث حصل البعض عليها في حين افتقدها آخرون، وقتل في سبيلها الملايين، فإن ما يكتبه سيكون له قيمة كبيرة في قراءة الواقع، وحين يهدى كتاب بهذا العمق إلى الأم (حصة)، فذلك هو أصدق تعبير عن الانتماء، واللذين لا يُقدِّرون أمهاتهم لا يستطيعون تقدير أوطانهم .
لأن الوطن مثل الأم يفترض به أن يكون حضناً دافئاً لجميع المواطنين، هؤلاء الذين يربطهم حبل سري بوطنهم؛ إن انقطع يفقد الإنسان مواطنته، ويفقد الوطن أبنائه، ولذا يقدم المؤلف الدرس الجنيني الذي تعلمه من الأم (حصة) وهو “ثق بوطنك لآخر نفسٍ في حياتك، فهو الباقي وإن اضمحل كل شيء).
ومن أجل أن يصمد هذا الدرس لابد أن يثق الوطن أيضا بمواطنيه، ويمنحهم العزة والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص؛ فلن يحافظ عليه في لحظات الأزمة كتلك التي مر بها المؤلف وكثير من أبناء وطنه إلا أولئك المواطنين المخلصين، هم الذين سيحملون مشاعل النور حين يسعى البعض لإغراقه في الظلام، هم الذين سيشكلون الحائط الذي لن يستطيع أحد أن يخترقه.
يعلي الدكتور فارس الوقيان في هذا الكتاب من قيمة المواطنة في ظل حالة الفوضى التي تمر بها المجتمعات العربية، ويضعنا أمام مسارين إما إرساء المواطنة بمتطلباتها أو هو الطوفان الذي سيجرف معه كل شيء من استقرار وتنمية وحضارة، ولذا مهما كان المحيط سلبياً، وإقصائيا، وعدائياً، على المواطنين المستنيرين أن يحافظوا على ألا ينقطع الحبل السري بأوطانهم، عليهم أن يدفعوا بالتي هي أحسن، فلا يجابهوا الكراهية بالكراهية، ولا الانتقام بالانتقام، ولا التمييز بالتمييز. مجتمعاتنا في ظل ذلك تحتاج إلى مشروع معرفي تنويري تكون أدواته هي “إغراق الظلم بمعاني العدالة، والتمييز بطلب المساواة، والفئوية بإرادة التعايش المشترك والمواطنة الصالحة، والأحكام القضائية المجحفة بتصحيح الإعوجاج، والتجهيل والتعصب والإقصاء بتعميق المعرفة وتنويع أدوات الفهم والتنوير”، فبدون هذه الأدوات لا يمكن إعادة بناء مجتمعات مدنية قابلة للحياة، وعلى الذين لا يزالون يعتقدون أن المواطنة مجرد لحظة أن يتأملوا بعمق في هذه المسيرة الطويلة التي قطعتها المواطنة حتى اللحظة الراهنة، وأن يتأملوا المسيرة الفكرية الطويلة التي قادت الدكتور فارس لوضع هذه المحاولة التصويبية لمفهوم المواطنة.
د. سيف بن ناصر المعمري
خبير إقليمي في المواطنة وتربيتها
