بقلم ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي
بعد أن حزم الصيف أمتعته وبيت نية الخروج في وقت باكر، ذات يومٍ وفي شتاء ماطر، حدثتني الحروف وهمست بأُذني بعض الخواطر، عن مرتع الصبا وبعض تلك الحواضر، وعن تلك الحقول بوسط روي ونسيم الصباح الذي يجذب العابر والمسافر،
وسموق النخيل يروي لنا كفاح الأجداد وبعض تلك المفاخر، وشذى الليمون المتطاير الذي يهتدي به كل من ضل الطريق ويسترشد به كل حائر، وعن كرم الآباء والأجداد إذا ما حل بالمكان قادمٌ وزائر،
حيث نهاية كل أسبوع يكرم الجميع فلا فرق بين مقيمٍ ومسافر ولا ماكثٍ لأيام قلائل أو مارٍ وعابر وإنما هو الكرم في أبهى صوره، فما أجمل اللُحمة وما أجمل التحلق على موائد الطعام كلٌ يلتقي بالآخر وقد ترك المشاغل لأجل اللقاء فيالها من مناظر تبهج النفس وتسعد الخاطر،
فقد بقت الأمكنة اليوم ولكن غادرها أهلها فمنهم من غادر الدنيا ومنهم من ارتحل إلى أمكنة أخرى رغبة منه في التوسع ومع مرور الوقت ربما نسيت الأجيال المتلاحقة شموخ تلك الأمكنة برغم بقاء أنفاس الأجداد وبصمات تلك المفاخر،
إن للبوح أجنحة تضاهي بالتحليق كل مُحلقٍ وطائر وله عبقٌ معتقٌ بالأصالة كعبير الياسمين المتطاير، هناك حيث تصفو النفوس فلا تباغض ولاتحاسد أو تناحر، هناك حيث حسن الجوار بين الرجال وتبادل الطعام بين الحرائر،
كم أحن وأشتاق لتلك الأُلفة وهمس تلك المنازل والمتاجر، وصدى القرآن يدوي بمدرسة القرآن الكريم منذ الصباح الباكر، حيث المعلم سعود بن محمد الطوقي الذي حفظنا القرآن منذ الصغر فصقلت العقول بحفظه وفاضت من الألسن الكلمات كالجواهر،
هذا هو الحنين إذا أردتم الحنين بصدقٍ وهذا هو الشوق تترجمه لكم عنا المشاعر، وإذا ما سمعنا تكابير العيد تدوي في مصليات العيد وفي المساجد فهذه شعائر الإسلام فأنعم وأكرم بها من مشاعر،
وتعظيم المشاعر من تقوى القلوب لا كما يفتي بالاستهانة بها اليوم كل ضال وحائر وكل مُطبلٍ أزعجه صوت القرآن وتكابير العيد وخُطب الخُطباء من على المنابر،
ولايزال صوت العم حارث المحروقي يتردد في آذاننا بتلاواته الندية أثناء إمامته للناس بجامع روي القديم (مسجد طوي السيد) وكذلك أثناء خطب الأعياد وتكابيره وقد ظل دهرا على هذا الحال وقد تعلمنا منه الكثير كما تعلمنا من غيره كيف لا وهو أيضًا التاجر صاحب الأخلاق والد الأحبة مبارك وحارب والأديب المحنك زاهر.
وكذا سائر الأحبة المحاريق وأقربائهم كالعم عبدالله وأولاده النجباء وكذا ناحية مسجد الفلاح هناك البعض منهم، ومنهم أيضًا العم سليمان والد كل من يحيى وحسن وعرفات فرحم الله تلك النفوس التي كانت لا تغيب عن الصلاة إلا ماندر فنعم تلك الهمم التي خلفت لنا البصمات الطيبة وعظيم المآثر.