منظومة إجادة مع التحية

1– الأشقاء الخمسة؛ منظومة إجادة، ونظام العمل، ونظام الترقيات، ونظام التقاعد، ونظام الحماية الاجتماعية، يمتلكون مهارة عالية في علم اللوغاريتمات وما وراء اللوغاريتمات، ونزلوا بثقلهم على المواطن العماني وجعلوه يضرب أخماساً في أسداس حتى أصبح فؤاده فارغاً وبلغ قلبه الحنجرة، يحاول أن يفهم فأعياه الفهم، وكلما شرح الشارحون وتحدث المتحدثون ما زادوه إلا حيرة وإيلاما. أيتها الأنظمة الخمسة “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.

2– نتائج منظومة إجادة تشبه نتائج دبلوم التعليم العام، فأجمل التهاني والتبريكات للحاصلين على تقدير امتياز في تقييم منظومة إجادة الحكومية، فمن حقك يا ممتاز أن تنبسط وتفرح وتمشي متبغدداً متبختراً تراك ما شوية جايبامتياز في تقدير الأداء الوظيفي، وحظ وافر للموظف غير الممتاز ،يا الله شد حيلك وطور أهدافك ليمنحك البرنامج تقدير امتياز مستقبلاً

3 –177 ألف موظف يشغلون وظائف مختلفة كماً ونوعاً وشكلاً، لا يوجد بينها أي نوع من التجانس أو حتى التشابه، والكثير من هؤلاء الموظفين غارق في بيئة بيروقراطية روتينية  حتى النخاع، ومطلوب من الجميع أن يقوم بنفس الخطوات الإجرائية بلا استثناء، فاضطر الأغلب أو الكثير منهم الاستعانة بصديق لأنه لا يفقه من الأمر شيئاً. ولست أدري ما الأهداف النصف سنوية أو السنوية التي يمكن أن يضعها عامل نظافة أو سائق أو حارس!، وما الأهداف النصف سنوية أو السنوية التي يمكن أن يضعها طبيب يقضي سبع ساعات في عيادته النهارية ثم يعقبها مناوبة ليلية لتغطية نقص الكادر الطبي في مؤسسته الصحية!، وما الأهداف النصف سنوية أو السنوية التي يمكن أن يضعها نائب مدير دائرة أو مدير مختص لا توجد لديه مهام واضحة سوى أن يحل محل المدير وقت غيابه أو التي يكلفه بها مسؤوله الأعلى!، وما الأهداف النصف سنوية أو السنوية التي يمكن أن يضعها معلم ازدحم جدوله بعشرين أو خمس وعشرين حصة، وفصول ازدحمت بطلاب يزيد عددهم عن35طالباً، وكتب دراسية لم تستلم إلا بعد انقضاء نصف الفصل الدراسي أو أغلبه!، وما الأهداف النصف سنوية أو السنوية التي يمكن أن يضعها موظف استعلامات كل عمله استقبال الاتصالات الواردة والصادرة وفق النظام الذي يملى عليه!. هذه بعض الأمثلة وقس عليها الكثير، وكل تلك الوظائف عدا الفنية منها روتينية بحته لا يسمح فيها بالاجتهاد الفردي.

4– الحاصلون على تقدير امتياز وعددهم 17ألف موظف يشكلون ما نسبته (10%) تقريباً من مجموع موظفي الخدمة المدنية، وهي نسبة تفوق معدل منحنى الأداء الطبيعي، وفي نظامنا الأكاديمي عادة ما يطلب من أستاذ المقرر أن يكتب مبررات في حالة ارتفاع نسبة تقدير (أ) أو نسبة تقدير (هـ) عن المعدل الطبيعي. فهل يمكن أن يحظى المجتمع بتفسير من المنظومة وهل يمكن معرفة عدد الحاصلين على تقديرات جيد جداً وجيد وضعيف؟

5– إذا كان ما نسبته  (10%)  من العاملين في القطاع العام قد حصل على تقدير امتياز، وأكثر من هذه النسبة قد حصلت على تقدير جيد جداً، فلماذا يعاني هذا القطاع من الترهل في الأداء؟ ولماذا أحتاج إلى معرفة فلان وعلان لكي أستطيع تخليص معاملتي؟ ولماذا يقصد المواطن عضو مجلس الشورى في ولايته ويضطره أن يلعب دور مكتب تخليص معاملات ويدور من وزارة لأخرى متغيباً عن جلساته البرلمانية؟!

6– لنفترض جدلاً أن منظومة إجادة لا علاقة لها بشقيقها نظام الترقيات، وأنها لا تهدف أبداً إلى وضعه في خانة “وقف التنفيذ”، بل إن الهدف من وجودها تعزيز الأداء الفردي والمؤسسي وتطويره. طيب، لنفترض ذلك جدلاً، ألا يجب أن يكون هناك برنامج مصاحب للمنظومة من أجل تعزيز الأداء وتطويره؟، بمعنى آخر: ما الغاية من إعلان نتائج الأداء الوظيفي أصلاً؟ وماذا بعد ظهور النتائج؟ هل يكتفى بصرف مكافئات لأصحاب الامتياز أو المجيدين كما يحلو للبعض أن يسميهم، أم إن هناك خطوات أخرى، وما تلك الخطوات؟

7– إذا كان الهدف من منظومة إجادة تطوير الأداء فمن المنطقي أن يكون لدى المنظومة برنامج إثرائي للحاصلين على تقدير ممتاز، وبرنامج تطويري للحاصلين على جيد جدا وجيد، وبرنامج علاجي للحاصلين على تقدير ضعيف. لا أدري هل يمكن تطبيق ذلك أم يكتفى بنظامي مكافئات لتقدير ممتاز، وعقوبات لتقدير ضعيف؟! والتجاهل لتقدير جيد جداً الذي يشبه الابن الأوسط في العائلة، فلا هو كالابن البكر يحظى بالثقة والمسؤولية عند الوالدين، ولا هو مثل آخر العنقود الذي يحظى بكامل الرعاية والتدليل!

8– فريق عمل منظومة الأداء من حقه أن يدافع عن مشروعه وجهده الذي بذله في التخطيط والتطبيق، ولكن حين تخرج فكرة المشروع للمجتمع لا تصبح ملكاً لصاحبها، بل تنتقل ملكيتها للمجتمع، فتتحول من ملكية فردية إلى ملكية مجتمعية، ومن حق المجتمع حينها أن يحلل ويناقش وينتقد ويقيّم ويصدر أحكامه على صلاحية تلك الفكرة من عدمها، فنقد الفكرة لا يعني  بالضرورة انتقاص أصحابها، كما أن النقد والتحليل والتقييم منهج صحي وضروري لعملية التطوير.

د.هاشل بن سعد الغافري 

جامعة التقنية والعلوم التطبيقية