إعادة النظر في الإدارة والتوصل الى الإصلاح

0
354

بقلم / بدر بن محفوظ القاسمي

لم يكن نبي الله سليمان يعلم بأن الهدهد كان غائبا عن مملكته، فلما سأل عنه لم يجده ليعرف بعدها أنه كان في مهمة هي ليست من صميم عمله أو بأمر جاءه من ولي نعمته، فكيف بموظف صغير أن يتصرف هذا التصرف دون أخذ الإذن للسير الى اكتشاف مهمة او إجراء استطلاع ، وكيف له أن يغيب عن مملكة من سخرت له الريح ومعرفة منطق الطير، ومن سخرت له الجن والشياطين يعملون له ما يشاء من بناء الصروح وتكييف أمور متطلبات مملكته وحكمه العظيم، وأوتي ملكا لم يكن لأحد من قبله ولا بعده في تصاريف أمور هذه الحياة .. نعم نستطيع القول ان المبادرة أتت من موظف صغير متبوعة بصدق الطوية في رحلة استكشافية تبعتها قصة طويلة .

القصص القرآنية مليئة بالعبر وحسن الإدارة .. والغريب ما في الامر أن المسلمين لا ـ يثورون القرآن ـ كما قيل فالوصاية به .. لإرتكان الكثير من علماء الدين وغيرهم أن يعتمدوا الكثير على مرويات هي أقرب الى أساطير الكتب الأولى المحرفة والتي أعاد كتابتها الاحبار والرهبان ومن بعدهم القساوسة والكهنة وأساطين السحر وآخرهم انصاف المتعلمين الحشوين الآخذين بسطح معاني الآيات، والجهلة الذي لبسوا على الناس دينا غير الدين الذي يجب .  

وكيف أدار سيدنا يوسف بما أتاه الله من علم وحكمة، بدءا من أولى مراحل حياته في دار غربة لا يعرف فيها أحدا ليقع في اول اختبار إداري لعدم الرضوخ  للمسؤول الإداري الأول في البيت الذي يسكنه، كما أنه لم يرضخ لنفوذ من يدور حول دائرة السلطة .. كما أنه كيف تغلب بحسن إدارته الى تجاوز أعظم محنة كانت يمكن أن تعصف بالقطر المصري آنئذ ، وكيف تجاهل ما فعل به إخوته وتجاوزه وصفحه عما كان بدر منهم؟ كانت أعظم درس في الإدارة الذاتية أولا قبل أن يلامس تأثيرها من هم أصحاب الشأن .

كما أن مستوى الحوار بين المخاطب الله والمخاطب الملائكة والعنصر البشري المتمثل في سيدنا آدم وأبليس، إنها اعظم تجربة حوارية بين اطراف متعددي الاجناس والطبقات من حيث ان الله ليس كمثله شيئا ، وليس له صفة جنسية، والملائكة التي هي أجساد نورانية لا تعص ما أمرها الله وتفعل ما تؤمر ، وشياطين وجن خلقت من نار ، وبشرية آدمية جبلت من طين .. فعلينا أن نتلمس مدى أبعاد هذه الحوارية الراقية بين هذه الأطراف وتقبل الرأي بينها بروح تلقائية.

وننظر الى سيدنا موسى وهو في الوادي المقدس ،،  فالله يعلم أين هو وماذا يفعل ،، فيسأله وما تلك بيمينك يا موسى ؟ سؤال رائع من رب رحيم يسأل عبدا من عباده وهو يعلم ماذا يحمل .. ولكن لطف ربك بعباده كبير فهو يخاطب مخاطبة لطيفة ليدخل الطمأنينة في قلبه ولا يخف .. والله جل في علاه يعلم خائنة الأنفس وما تخفي الصدور ، فكيف بعصى يحملها نبي .. إن هذهلأعظم لطيفة من ملك الى وزير في الأرض يتوكأ على عصاه ويضرب بها عيدان الشجر لينثر ورقها لأغنامه التي يرعاها .. والتي تشكل دائرة أو إدارة أخرى في السلطة بين المسؤول الأعلى والإدارة الوسطى والتنفيذيين في أول السلم الوظيفي هم اتباع القادة الحقيقيين.

ماذا عسانا ان نستنبط من الدروس والعبر والإدارة والحكمة في التعاطي مع هذه الحياة التي هي بحاجة الى ترشيد في كل حركة وسكنة، كما تحتاج الى من يمسك بالدفة ويقذف المرساة، ويرفع الشراع في كل مرحلة متطلبة لذلك .. كما لا يمكن أن تطرق الحديد باردا ،، فهي كذلك الحياة وإدارتها فإنهاتتطلب من الأسباب التي تتهيأ والاعمال  التي تتبعها الكثير من المنعطفات التي لا يمكن أن تلج الى أبوابها إلا بالقرع المتواصل عليها لتفتح السبل ويدخل أو يخرج ما يجب أن يكون في عملية هي لن تتوقف في فلك هذا الكون .

إن المشارق والمغارب والنجوم وطلوع الكواكب كلها ترتبط بمواسم هي من أتقنت الأمم السابقة حساباتها لتكون ساعات ناطقة بمواعيد هي غاية في الدقة والصلابة في تواقيت لا تحيد عنها قيد انملة ، فالحياة بعامتها وأهلة الأعياد ومواقيت الصلوات وطقوس الأمم السابقة، والأجندة الزراعية والسير في البحار وسفن الصحراء وأدلاء الركب عليها يهتدون بعلاماتها في السماء .. دروس ادارية لا تنتهي .. وكما هي متطلبات الاكتشافات الحديثة في علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء .. فإن الاكتشافات الادارية في ثنايا محكم التنزيل لن تتوقف فهي كل يوم تتولد بالجديد كما هو شأن العلوم الأخرى التي بات القرآن هو المعتمد في الكثير من النظريات التي أبطلها حين حاول الإنسان ترسيخها في ذهنية الأتباع الذين يراد غوايتهم من قبل الكهنة والسحرة والمدلسين والملبسين للدين .

لعل العجالة في هذه المقالة لا تتسع لجميع المعطيات التي رفد القرآن بها البشرية في جانب إداري هو المعتمد في برنامجه في هذه الحياة التي تضع المقام العملي وتنظيمه رأس الزاوية والحجر المقدم على كل فن من فنون العلم لإدراك ان الإدارة هي المحرك الأول والأساسي في العجلة التي تدور في فلك الاعمال التي ترتبط بسلسلة لا تتوقف، وكل سلسلة لا يمكن أن تخلص إلا أن تكتمل كافة متطلباتها ممهدة للانتقال الى مرحلة أو سلسلة أخرى قد تتفرع الى سلاسل أخرى متفرعة لها ما يمكنها أن تأخذ مسارها بعيدا مطردا أو معاكسا .

أن الأمر في دول العالم هي أقرب ما تحتاجه الى إعادة الحوار بين الحكومات والشعوب عن طريق المجالس المنتخبة التشريعية منها والرقابية .. فما اعوز البشرية اليوم قاطبة الى إعادة النظر في الإدارة والتوصل الى الإصلاح من خلال النظر الى الحقائق الإدارية في كتاب محكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .