الجزء الثاني: تصحيح مسار الشورى

0
826

تناول الجزء الأول من هذا المقال التشخيصي أبرز الملاحظات العامة ومصادر القوة التي يجب ان يستفيد منها مجلس الشورى لتطوير أدائه ومعالجة نقاط القصور والضعف التي شهدتها الفترات السابقة وتجاوز الأحداث والظروف التي مر بها العام الأول للمجلس في فترته التاسعة ( 2019 – 2023)، والتي يجب ان تؤخذ في الحسبان لتحسين أداء الأعضاء بشكل عام وبما يتناسب مع طموحات المرحلة الحالية وبما ينسجم مع رؤية عمان 2040 وبما يواكب تطلعات النهضة المتجددة في تاريخ عمان الحديث.

وقد ركز الجزء الأول من المقال التشخيصي على أهمية تفعيل واستخدام الأدوات الرقابية الجماعية خلال هذه الفترة ونقل المجلس التشريعي والرقابي نقلة نوعية من خلال استخدام الأدوات الفاعلة وأهمها الاستجواب وتقصي الحقائق وطلب المناقشة .

وأشار المقال في الجزء الأول على أن أداة السؤال او كما يتعارف عليه ( السؤال البرلماني) وهو واحد من بين ثمانية وسائل وأدوات برلمانية متاحة لأعضاء مجلس الشورى لممارسة الصلاحيات الرقابية ولكن يكاد يكون هو الأداة الوحيدة المفعّلة منذ اعتماد اللائحة الداخلية في 15 سبتمبر 2012 لغاية الآن.

وقد وضحت في الجزء الأول من هذا المقال عدم جدوى استخدام السؤال كأداة برلمانية رقابية وتعارضها مع ما يطالب به المجلس الوزارات الخدمية من تسهيل في الإجراءات وتقديم المعلومات والإفصاح عن البيانات وجعلها متاحة لجميع المواطنين.

و يجب التذكير كذلك بأن الاعراف والتقاليد البرلمانية العالمية تمنع استغلال الاسئلة البرلمانية وتسخيرها لتحقيق مآرب ومصالح شخصية أو فئوية  والتأكيد كذلك على أن من حق الوزارات الخدمية أو الجهات التنفيذية رفض أي سؤال أو طلب أو التماس لايدخل في الاختصاص التشريعي والرقابي للمجلس ويخالف النظام الاساسي للدولة.

وفي هذا الجزء سوف نستكمل أهم الجوانب التي يجب التركيز عليها لتطوير أداء المجلس والتغلب على نقاط الضعف والقصور.

 تفعيل الصلاحيات والفرصة التاريخية

يجب على أعضاء المجلس أن يستعدوا  للمساهمة في خلق إرادة مشتركة تذوب فيها كافة المصالح المتعددة لتحقيق المصلحة العليا لعمان وأجيالها وأن يعدوا عدتهم ويسهموا بشكل فعّال في إنطلاق النهضة المتجددة، خاصة وأن المجلس يستمد مرجعيته التشريعية والرقابية من النظام الإساسي للدولة،

وبالتالي يجب على المجلس كجهة تشريعية ورقابية أن يعمل خلال هذه الفترة على تفعيل كافة الصلاحيات وفقا للنظام الأساسي للدولة وتطبيقا للاختصاصات والممارسات التي حددها القانون في المادة 58 مكررا من 8 لغاية 19 تحت باب مجلس الشورى والمادة 58 في باب أحكام مشتركة بين المجلسيّن ( الدولة والشورى) مكررا من 20 حتى 44.

وعلى الرغم من اعتماد اللائحة الداخلية للمجلس في 15 سبتمبر 2012 التي تحدد المهام في الجانبين التشريعي والرقابي من أجل تنظيم سير العمل بالمجلس، وعلى الرغم من التدرج في سقف الصلاحيات بما يتوائم مع مقدرة الأعضاء وقوة المجلس، لكن يلاحظ ان المجلس ما زال يراوح مكانه ويكتفي الأعضاء باستخدام الأدوات البرلمانية الفردية الخجولة التي لاتسفر عن شئ سوى جواب على سؤال العضو او تعليق على الطلب او الموافقة او الرفض لخدمة معينة او تكرير الإلتماس .

وحتى يستشعر الجميع بوجود مجلس برلماني تشريعي ورقابيفاعل، فأنه يجب على المجلس ان يسعى الى تفعيل كافة الادوات البرلمانية الجماعية والتأكيد على أن تحقيق رؤية عمان الإستراتيجية لن تتأتى الا من خلال العمل المشترك والجماعي بين أعضاء مجلس الشورى وليس من خلال الإستئثار بمصالح آنية شخصية كانت أو مناطقية وكذلك حرص الأعضاء على متابعة تحقيق الأهداف ومراقبتها وتقييم مردودها من أجل مكاسب ينعم بها سائر المواطنين. والوقوف ضد كل متمصلح يدعو الى الإستثناءات والقفز على القوانين من اجل التربح والتكسب الشخصي.

سرية التصويت وسرية الجلسات

يمثل مجلس الشورى كافة أطياف وشرائح المجتمع العماني ولم يعد من المقبول ان يكون في المجلس التشريعي والرقابي والذي يطالب بحقوق المواطنين وتحقيق العدالة والمساواة في تقديم الخدمات العامة سرية للجلسات أو سرية التصويت ، وتشير المادة (58) مكررا (31) من النظام الأساسي للدولة بأن : تكون جلسات كل من مجلس الدولة ومجلس الشورى علنية ، ويجوز عقد جلسات غير علنية في الحالات التي تقتضي ذلك بالإتفاق بين مجلس الوزراء وأي من المجلسين.

لذلك فمن حق الجميع ومن حق الناخب على وجه الخصوص أن يعلم ماذا يدور في المجلس وماهو دور ممثله في المحافظة على الحقوق العامة وبالتالي يكون التقييم المنطقي لأداء العضو المنتخب. وكذلك تشير المادة (90 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشورى بـ ( تكون جلسات المجلس علنية ويجوز عقدها غير علنية بناءً على طلب مجلس الوزراء أو المكتب أو ربع الأعضاء على الأقل، وفي تلك الحالة يقرر المجلس في جلسة غير علنية، ما إذا كانت المناقشة في الموضوع المطروح أمامه تجري في جلسة علنية أم لا، ويصدر هذا القرار بعد مناقشة يشترك فيها على الأكثر اثنان من مؤيدي السرية واثنان من معارضيها)، وسرية الجلسات وسرية التصويت تتناقض مع ما يدعو إليه أعضاء المجلس من مطالبة المسؤولين بالصراحة والعلنية والتحلي بالشفافية.

 وتشير المادة ( 58) مكررا ( 40) بإحالة مجلس الوزراء مشروعات خطط التنمية  والميزانية السنوية للدولة إلى مجلس الشورى، واعتقد ان الوقت قد حان بأن يفرض المجلس نفسه كمؤسسة تشريعية ورقابية في المشاركة في وضع البرامج والخطط التنموية ومناقشة الميزانية المحددة ومتابعة ومراقبة وتقييم تنفيذ الخطط. ومن وجهة نظري تعتبر عملية المشاركة في وضع الخطط والبرامج والتصويت على البرنامج والخطط التنموية من الاعضاء هو المحك الحقيقي لفاعلية المجلس.

 الاستجواب وتقصي الحقائق

من المتعارف عليه بأن النظام الاساسي للدولة هو المرجع الذي ينظم العلاقة بين مجلس الشورى كجهة تشريعية ورقابية وبين الحكومة كسلطة تنفيذية، وطالما ان المجلس يستخدم صلاحياته وفقا للنظام واللائحة الداخلية وبما لايتعارض مع النظام الاساسي للدولة، وبالرجوع إلى مواد النظام الاساسي للدولة نجد ان للمجلس فرص عديدة لتفعيل الادوات الرقابية حيث ان أعلى أداة رقابية تتطلب موافقة 15 عضو من اصل 86 عضوا.

ولازال المجلس دون الطموح نظرا لعدم تفعيل الجوانب الرقابية المدرجة في اللائحة الداخلية على الرغم من وصول العديد من التجاوزات المالية والإدارية الى أبواب المحاكم والحكم فيها وكان يتطلب من المجلس التشريعي والرقابي رصد تلك التجاوزات واستخدام الأداة البرلمانية المناسبة وهذا في اطار دوره الرئيسي في المحافظة على حق الوطن وحق الأجيال القادمة من المساس. وقد أجازت المادة ( 58) مكررا ( 43) من النظام الاساسي للدولة استجواب أي من وزراء الخدمات في الأمور المتعلقة بتجاوز صلاحياتهم بالمخالفة للقانون بناء على طلب موقع من 15 عضو فقط من اصل 86 عضوا.

ولايمكن ان تكون هناك جلسة استجواب أوتقصي الحقائق للمجلس لموضوع مفتوح به تحقيق قضائي. ويحتاج الأعضاء المنتخبين الى جرعة كبيرة من الجرأة لتفعيل أداتي الاستجواب وتقصي الحقائق خاصة وأن العضو يتمتع بالحصانة البرلمانية تحت قبة المجلس طبقا للمادة 58 مكررا 22 من النظام الاساسي للدولة، ومن حقه ان يدلي برأيه ويستخدام الأداة التي يعتقد انها مناسبة دون ضغط او توجيه من أحد.

وسوف نستكمل في الأجزاء القادمة من هذا المقال التشخيصي بقية الجوانب والمجالات التي تحتاج الى تحسين بهدف الوصول الى مجلس فاعل يحقق الطموح والتطلعات التي يترقبها الشارع العماني.

ملاحظة هامة

هذه المقالات كتبت قبل صدور النظام الأساسي للدولة وقانون مجلس عمان الصادران في 11 يناير 2021 م؛وبالتالي فأن المواد المذكورة في المقال هي وفقا لما جاء في النظام الأساسي للدولة السابق والصادر سنة 1996 المعدل في سنة 2011.

                                                                سعيد بن سالم الوهيبي