منابر من كلمات

0
2389

يقال إن الكلمات نور، ولكن هناك مقولة في الجانب الآخر تقول إن بعض الكلمات قبور، فهي إما أن تقبر قائلها، أو تقتل المتلقي…

وما أكثر الكلمات في عصرنا هذا، حيث يعج الجو المحيط بالكلام الافتراضي في المواقع الافتراضية الكثيرة والتي تتوالد وتنقسم وكأنها خلايا تحت مجهر الطبيب في مختبر الحياة، ولست ألم هنا بعدد المشتركين في هذا التطبيق بالذات حول العالم، أو بعدد الكلمات التي يتم تداولها، ولكنني أكيدة بأنها أرقام خيالية، وتعددت أشكال المجموعات وتفرعت، من رئيسية إلى فرعية، وتفرعت الفرعيات..

قبل حوالي عامين كنت في المملكة المتحدة، فوصلتني رسالة عبر تطبيق ماذا (What’s App)، وكانت مذيلة باسم الأخ حمد بن خلفان الوهيبي، موجها لي دعوة كريمة للانضمام إلى مجموعة “نبض عمان”، مع شرح موجز عن هذه المجموعة، وقد كانت المرة الأولى التي توجه لي دعوة للانضمام إلى مثل هذا النوع من المجموعات، والتي صنفتها بعد انضمامي إليها في باقة المنابر الحوارية، وﻷهمية الموضوع أطلعت زوجي على الأمر، وقبلت الدعوة شاكرة، فأصبحت جزءا من هذا المنبر الحواري الراقي منذ ذلك الحين، وأحببت فكرة هذا التجمع لكوكبة رائعة من أبناء عمان، تضم مختلف الأطياف من المجتمع والأعمار والاختصاصات، وفكرة طرح قضايا على طاولة النقاش، واستضافة من لهم علاقة بموضوع معين، وربما الخروج بتوصيات تصل إلى من يهمه الأمر، وحقيقة لا زلت أرى نفسي تلميذة بين هذا اللفيف المخضرم…

إن طبيعتنا و فطرتنا تجعلنا نختلف مع بعض الآراء في بعض الأحيان، و قد نتفق مع البعض الآخر في أحايين كثيرة، ولكنني دائمة الحرص على تعلم الكثير من غيري، ﻷنها تثبت لدينا الحقيقة المعروفة عن الثلاثة التي لا يمكننا استرجاعها عند إطلاقها: الرصاصة والكلمة والوقت، لذلك أصبحت أزن الحرف قبل وضعه، ﻷنني أخاطب شريحة من البشر الذين لا أعرفهم في العالم الواقعي، بل كل ما جمعني بهم عالم افتراضي، وﻷن المتلقي لا يرى تعابير الوجه، وكذلك لا وقت لدينا كي نضع التشكيل النحوي لكلماتنا، وأحيانا التقنية لا تسعفنا، لذلك لا ندري من أي نافذة ستصل كلماتنا إلى هذا الكم المتلقي من كلماتنا، وتتداخل التعليقات وتحتدم النقاشات أحيانا، ولكن الإدارة الواعية القائمة على هذا المنبر لديها ملكة “الرقية اللغوية” -إن جاز لي التعبير- لتهدئة القلوب وتصفية النفوس، ﻷن القاسم الأول والأخير في قلوبنا جميعا هو حب عمان الغالية والولاء لسلطاننا المفدى يحفظه ربي ويرعاه..

وبما أننا اليوم في عالم أصبحت التقنية تدخل فيه جميع المجالات، وأصبحت تدخل في المعاملات بشتى اشكالها، حتى أنها بدأت تدخل في مجالات  التقاضي والزواج وغيرها، لذلك إن مثل هذه المنابر يجب أن تلقى الدعم والتشجيع المعنوي، والأخذ بما يخرج من بين ثنايا نقاشاتها بعين الاعتبار، ﻷن الجميع أصبح واعيا بالخطوط القانونية للكلمات، والتي من خلالها يعتبر نفسه معبرا عن رأيه في أمر ما دون خدش لحياء، أو تجريح لشخص أو رمي لطرف بما ينبيء عن طائفية مقيتة، ومجتمعنا العماني متماسك جدا ولله الحمد، وغيور على بعضه بعضا، وأستشهد هنا بمقولة العلامة الجليل سماحة الشيخ مفتي عام السلطنة “المجتمع العماني نسيج واحد قوي سيظل محتفظا بوحدته عبر الزمان”، وهذا هو ديدن “نبض عمان”.

توقيع: “يا ربنا احفظ لنا جلالة السلطان”.

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية