قبل عدة اشهر تواصل معي الأخ حمد الوهيبي لاستئذاني من اجل إدخالي في جروب ” نبض عمان ” في برنامج التواصل الاجتماعي ( الواتسآب )، ترددت في البداية بسبب كثرة الجروبات لدي
التي تم إدخالي في معظمها بدون علمي، وهذه مشكلة معظم الجروبات التي يتم في كثير منها إدخال الأعضاء بدون علمهم أو استئذان منهم، حيث يصحو الإنسان في الصباح ليجد نفسه في جروب لا يعرف عنه شيئا، ولا عن الأعضاء المشاركين فيه، ولكن ( نبض عمان ) كان مختلفا ، فهو يضم شخصيات من مؤسسات وحقول معرفية مختلفة، فهناك المهندس، والمعلم، والرئيس التنفيذي، والمستشار، ووكيل الوزارة، والموظف، والإعلامي، وغيرهم ، يتبادلون الآراء والأفكار في القضايا التي تهم الوطن والمواطن في المواضيع المختلفة، يختلفون كثيرا ويتفقون أحيانا ، ولكن في جو أخوي يسوده الألفة وروح المسؤولية الوطنية بعيدا عن الشحن العاطفي والتشنج، مما جعل من هذا الجروب الحواري واحد من أفضل الجروبات الحوارية في برنامج التواصل الاجتماعي ( الواتسآب)، مما ساعد على انتقال أعضاء الجروب من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي عبر سلسلة من لقاءات التعارف بين الأعضاء بهدف تعميق التواصل من أجل التشاور في القضايا التي تهم الوطن.
يتميز” جروب نبض عمان ” بالنقد الهادف، والأسلوب الموضوعي في الحوار. والنقد كما يُعرفه اللغويون هو: تفحص الشيء والحكم عليه وتمييز الجيد عن الرديء ، وعملية النقد لا تخضع فقط – كما يتوهم البعض– في البحث عن نقاط الضعف لدى الآخرين ، وإنما النقاط الإيجابية أيضا ، والمقارنة بينهما لترجيح كفة أحداهما على الأخرى ، كما أن وظيفة النقد أيضا اقتراح الحلول المناسبة لنقاط الضعف وعدم الاكتفاء بذكرها فقط ، والممارسة النقدية وبالإضافة إلى اشتراط الموضوعية فيها ، فإنها يجب أن تتحلى وخاصة في المقالات والتحقيقات الصحفية ، بالالتزام بالحياد ونشر المعلومات الصحيحة، والابتعاد عن الإثارة الصحفية. إن تقدم الأمم والحضارات مرتبط بشكل كبير بقدرتها على ممارسة النقد في منظوماتها المختلفة ، السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها ، ومن يتابع تاريخ الفكر الإسلامي يرى بأن الحضارة الإسلامية بلغت ثروة مجدها في القرنين الثالث والرابع الهجريين حيث كانت الثقافة النقدية بلغت ذروتها في الحقول المعرفية المختلفة ، في الفقه والسياسة والفلسفة وعلم الكلام وغيرها ، وكانت قصور الخلفاء العباسيين تشهد المناظرات بين أرباب الفرق والمذاهب الفقهية والكلامية والفلسفية المختلفة ، حتى وصف بعض المفكرين الغربيين والعرب تلك الفترة بالعصر الذهبي للفكر الإسلامي ، ولم يتراجع الفكر الإسلامي إلا بعد تراجع الثقافة النقدية ، وسيادة العقلية اليقينية ، التي قامت بإلغاء القراءات المختلفة للإسلام ، وإعلان سيادة القراءة الأشعرية ثم السلفية التي لا تزال تتسيد الثقافة الإسلامية حتى اليوم .
وإذا كانت الثقافة الإسلامية قد تراجعت إلى الوراء بسبب ذبول الفكر النقدي واضمحلاله بشكل تراجيدي ، فإن الحضارة الأوربية لم تعرف طريقها إلى عصر التنوير والحداثة ، إلا بسبب الثورات العلمية التي أحدثها أمثال كوبرنيكوس ، الذي زلزل التصور الأرسطوي عن العالم الفيزيائي الذي كان السائد في عصره ، وتصور بطليموس عن علم الفلك ، ليثبت بأن الأرض متحركة وليست مركز الكون حسب التصور السائد آنذاك ، إضافة إلى الفتوحات العلمية لغاليليو وبرونو ونيوتن وغيرهم ، وسبينوزا في قراءاته النقدية للكتاب المقدس ، قبل أن يظهر الفيلسوف العظيم ديكارت بكتابه التأسيسي ” مقالة في المنهج ” ، الذي دشن فيه عهد الشك المنهجي ، الذي يقوم على نقد المسلمات اليقينية للوصول إلى الحقيقة . هذه المقدمة توضح قيمة النقد البناء والمنهجي في الارتقاء بالأمم والشعوب ، الذي نفتقده للأسف الشديد في كثير من المقالات التي تنشر بين الفينة والأخرى في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية وبرامج التواصل الاجتماعي ، وغيرها .
فكثير من هذه المقالات يغلب عليها الطابع الموضوعي في النقد ، الذي ينطلق من رغبة صادقة في إثارة السؤال حول بعض الوظائف التي تقوم بها ، وتتعلق بالخدمات التي تقدمها للمواطنين ، ولكن كثير منها وللأسف الشديد يغلب عليها الطابع الغير موضوعي ، إضافة إلى تأثرها بالجانب الشخصي، فهناك من يستغل حادثة شخصية وقعت له في وزارة أو دائرة حكومية معينة من أجل التشكيك في عمل هذه الوزارة / الدائرة برمتها وإثارة الشكوك في منظومة عملها بالكامل .
من حق الإنسان أن ينتقد أية جهة كانت ، يعتقد بالأدلة والبراهين التقصير في عملها وأدائها ، والذي ينعكس بطبيعة الحال سلبيا على الخدمات التي تقدمها للمواطنين ، سواء في الجانب الصحي أو الإسكاني أو الخدمات الأخرى ، ولكن من ضروريات النقد السليم أن يكون بناءً بحيث يستطيع أن يمارس دوره الرقابي / الغير رسمي على أداء تلك الممارسات وعملها ، بالإضافة إلى اشتراط الموضوعية والرغبة في التطوير وزيادة الكفاءة ، ولكن ما نلاحظه في بعض المقالات التي تنشر في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي
أن كثيرا من تلك الممارسات النقدية يغلب عليها طابع النقد الهدام ، ولا نستطيع أن ندرجها ضمن النقد البناء ، بل أن جزءا كبيرا منها تدور في منطقة التشهير والإثارة الصحفية فقط ، وبعضا منها لا نبرأها من الشخصنة ، فالمهم عند هؤلاء هو النقد والنقد فقط ، بغض النظر إذا كان النقد صحيحا أم لا ، وبعض هذه المقالات ” النقدية ” تتجاوز عمل الوزارة /الدائرة لتطال بعض الشخصيات النافذة فيها ، مع أن النقد يجب أن يوجه للممارسات وليس الشخوص ، ولكن نظرا لافتقاد المجتمع لثقافة النقد ، فإن هناك من يتصور أن النقد هو كشف السلبيات فقط ، بغض النظر إذا كانت صحيحة أم لا .